تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن هذه النقول يعلم أن عمر بن عبد العزيز لم يقصد بهذه الكلمة فتح أي باب يناقض الشريعة، وكيف ينسب إلى عمر بن عبد العزيز فتح باب الابتداع في الدين، وهو الذي يقول حينما بايعه الناس بعدما صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه: (يا أيها الناس، إنه ليس بعد نبيكم نبي، ولا بعد كتابكم كتاب، ولا بعد سنتكم سنة، ولا بعد أمتكم أمة، ألا وإن الحلال ما أحله الله في كتابه على لسان نبيه حلال إلى يوم القيامة، ألا وإن الحرام ما حرم الله في كتابه على لسان نبيه حرام إلى يوم القيامة، ألا وإني لست بمبتدع ولكني متبع).

وأما دعوى الشنقيطي: أن عدم احتفال المملكة السعودية بالمولد النبوي يعرضها إلى أن تُنسب من قبل الدول الأخرى إلى تنقص الرسول صلى الله عليه وسلم وازدرائه حيث تحتفل بغيره ولا تحتفل لمولده، ويذاع عنها ذلك، كما يذاع عنها أنها تحرق كتب الصلاة عليه، فهذا من عندياته، وذلك لأمور:

أحدها: أن الحكومات الإسلامية كلها تعترف للحكومة السعودية بتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، مع علمها بأنها لا تحتفل بالمولد النبوي مخافة من الابتداع، وأقرب شاهد في زماننا هذا على ذلك إقبال وفودها على المؤتمر الإسلامي الذي يعقد بمكة، فإنه لا يتصور ذلك الإقبال الشديد على من يتهم بما ذكره الشنقيطي، وكذلك على الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وتلك الإشاعات التي يشير إليها الشنقيطي إنما حاول المبطلون التنفير بها عن دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. وكان الشيخ يجيب عن كل ذلك بقوله: (سبحانك هذا بهتان عظيم).

وكان يذكر أن ما ينسب إليه من إحراق كتب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليس له أصل، إلا أنه نصح بعض من يتعلق بكتاب " دلائل الخيرات " بأنه لا يصير هذا الكتاب أجل في قلبه من كتاب الله، فيظن أن القراءة فيه أنفع من قراءة القرآن، ورغم هذه الافتراءات أبى الله إلا أن يظهر الحق ويبطل الباطل، ويعلي الدعوة التي حاول أولئك المبطلون التنفير عنها بمثل تلك الإشاعات الباطلة.

الثاني: أن القائل بـ: أن تارك الاحتفال بالمولد متنقص للنبي صلى الله عليه وسلم، إن أراد بقوله هذا أن ذلك اعتقاد التارك فقد كذب وافترى، وإن أراد أن ذلك تنقيص للنبي صلى الله عليه وسلم عما يستحقه شرعاً فالمرجع في ذلك إلى الكتاب والسنة، وما عليه القرون المشهود لها بالخير فنحاكم كل من يطالبنا بهذا إلى ذلك، فإن جاء بدليل صحيح صريح، وإلا فنحن مستمسكون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة)، وبما روى أبو داود في سننه، عن حذيفة رضي الله عنه قال: (كل عبادة لا يتعبدها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها، فإن الأول لم يترك للآخر مقالاً)، ولا نصون أعراضنا في الدنيا بالتقرب إلى الله تعالى بما لم يشرعه.

الثالث: أن أكثر ما يقصد من تلك الاحتفالات التي تقام للرؤساء إحياء الذكرى، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال الله في حقه: (ورفعنا لك ذكرك) (سورة الانشراح: 4)، فذكره مرفوع في الأذان والإقامة والخطب والصلوات وفي التشهد والصلاة عليه وفي قراءة الحديث واتباع ما جاء به، فهو أجل من أن تكون ذكراه سنوية فقط، ولكن الأمر كما قال السيد رشيد رضا في كتابه " ذكرى المولد النبوي " قال: (إن من طباع البشر أن يبالغوا في مظاهر تعظيم أئمة الدين أو الدنيا في طور ضعفهم ـ أي البشر ـ في أمر الدين أو الدنيا؛ لأن هذا التعظيم لا مشقة فيه على النفس، فيجعلونه بدلاً مما يجب عليهم من الأعمال الشاقة التي يقوم بها أمر الدين أو الدنيا، و إنما التعظيم الحقيقي بطاعة المعظم، والنصح له، والقيام بالأعمال التي يقوم بها أمره ويعتز دينه إن كان رسولا، وملكه إن كان ملكا، وقد كان السلف الصالح أشد ممن بعدهم تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم ثم للخلفاء، وناهيك ببذل أموالهم وأنفسهم في هذا السبيل، ولكنهم دون أهل هذه القرون التي ضاع فيها الدين في مظاهر التعظيم اللساني، ولاشك أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم أحق الخلق بكل تعظيم، وليس من التعظيم الحق له أن نبتدع في دينه بزيادة أو نقص أو تبديل أو تغيير لأجل تعظيمه به، وحسن النية لا يبيح الابتداع في الدين فقد كان جل ما أحدث أهل الملل قبلنا من التغيير في دينهم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير