تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم الانقطاع في أسانيد الإنجيل بدأ مبكرًا جدًا .. في قصة بولس الذي يعتبره النصارى: ((مؤسس النصرانية)) كما يعبر القس عبد الأحد داود، لكنا نلحظ أنه لم يأخذ عن المسيح مباشرة، وإنما ذكر قصةً حاصلها أنه كان في قافلةٍ متوجهًا ناحية دمشق، فتجلى له المسيح بعد رفعه بسنوات فمنحه منصب الرسالة، واختلفت روايات الإنجيل كالعادة هل رأت القافلة ما حدث أم لم تره؟ ولكن المهم لدينا أنه كان رجلا يهوديًا معاديًا للمسيح وأصحابه، بل وحضر إعدام بعض أصحاب المسيح!! ومع هذا اصطفاه المسيح بالرسالة دون أصحابه المقربين!! كما يزعم الإنجيل الذي بيد النصارى، ثم يذهب بولس فيجلس ثلاثة أعوام في ((العربية)) (مكان) ثم يعود ..

فمهما حاول النصارى ادِّعاء الاعتماد على المشافهة أو النَّقْل الحي للإنجيل فلن يفلحوا إِذن أبدًا؛ لأن الانقطاع حاصلٌ في الأسانيد، وباعتراف علمائهم أنفسهم!!

ثانياً: ويستفاد من كلمة د. موراني السابقة أيضًا أن الإنجيل الذي بيد النصارى الآن ليس وحيًا! وإنما هو كتابٌ مؤلَّفٌ صاغه بشرٌ، بدلالة قول د. موراني: ((وكيف يعتبره وحيا عندما يجد في بداية كل كتاب فيه اسم مؤلفه)).

ويطيب لي هنا أن أنقل النص الأول من كتاب العلامة أحمد ديدات ((هل الكتاب المقدس كلام الله؟)) الذي يقول فيه: ((يعتبر السيد و. جراهام سكروجي عضو معهد مودي للكتاب المقدس من أكبر علماء البروتستانت التبشيرين وهو يقول في كتابه (هل الكتاب المقدس كلام الرب؟)، تحت عنوان (كتاب من صنع البشر ولكنه سماوي) ص 17: (نعم؛ إن الكتاب المقدس من صنع البشر، بالرغم من أن البعض جهلا منهم قد أنكروا ذلك) (إن هذه الكتب قد مرت من خلال أذهان البشر، وكُتِبَت بلغة البشر وبأقلامهم، كما أنها تحمل صفات تتميز بأنها من أسلوب البشر)) أهـ

وهذه الحقيقة هي التي يقررها مؤلفوا الإنجيل أنفسهم ..

فنرى يوحنا يقول في خاتمة إنجيله: ((وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله)) [يوحنا: 20/ 30 – 31].

بينما يفتتح لوقا إنجيله بمقدمة يقول فيها: ((إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا، كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة، رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز تاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي علمت به)) [لوقا: 1/ 1 - 4].

وأما بولس فبلغ به الأمر مبلغًا عجبًا، حتى وصل به الحال أن طلب رداءً تركه في كورنثوس، فيقول لصاحبه: ((الرداء الذي تركته في تراوس عند كابرس أحضره متى جئت)) [تيموثاوس: (2) 4/ 13 – 21].

فهذه مقدمات وخواتيم الأناجيل وأنصافها دالةٌ على أنه كلام بشر، ورسائل أشخاص لأناسٍ بأعيانهم، إما أصدقاء لهم، أو أهل قريةٍ بعينها .. إلخ.

وقد أكدتْ ذلك كلمة د. موراني السابقة في هذا الصدد، كما أكد ذلك غيره من علماء النصارى.

لكن حتى هذه الأناجيل البشرية الموجودة بيد النصارى لم يثبت لها إسنادٌ كما سبق، بل ولم تثبت لها نسخة خطية مكتوبة في زمن مؤلفيها، أو تلامذتهم، أو قريبًا من ذلك ..

وقد اعترف علماء النصارى بهذا كله، لكن اختلفوا في المدة التي كُتِبَتْ فيها هذه النُّسَخ الكثيرة التي تكلم عنها القس سويجارت في مناظرته الشهيرة مع العلامة أحمد ديدات، فحصرها سويجارت بقوله: ((يوجد ما يقرب من أربعة وعشرين ألف مخطوط يدوي قديم من كلمة الرب من العهد الجديد)).

لكن سويجارت يتحدث عن أقدم هذه النُّسَخ فيقول: ((وأقدمها يرجع إلى ثلاثمائة وخمسين عاماً بعد الميلاد، والنسخة الأصلية أو المنظورة، أو المخطوط الأول لكلمة الرب لا وجود لها)).

ويخالفه موريس نورن في (دائرة المعارف البريطانية) فيزيد مدة الانقطاع بالنسبة لكتابة هذه النسخ فيقول: ((إن أقدم نسخة من الأناجيل الرسمية الحالية كتب في القرن الخامس بعد المسيح، أما الزمان الممتد بين الحواريين والقرن الخامس فلم يخلف لنا نسخة من هذه الأناجيل الأربعة الرسمية، وفضلاً عن استحداثها وقرب عهد وجودها منا، فقد حرفت هي نفسها تحريفاً ذا بال، خصوصاً منها إنجيل مرقس وإنجيل يوحنا)).

وبعد هذا الانقطاع الطويل، وصلت النسخ محرَّفةً مختلفةً متنافرة الأجزاء.

ولهذا يقول د. روبرت في كتابه ((حقيقة الكتاب المقدس)): ((لا يوجد كتاب على الإطلاق به من التغييرات والأخطاء والتحريفات مثل ما في الكتاب المقدس)).

ويقول دنيس نينهام في تفسيره لإنجيل مرقس: ((لقد وقعت تغييرات تعذر اجتنابها، وهذه حدثت بقصد أو بدون قصد، ومن بين مئات المخطوطات لإنجيل مرقس، والتي لا تزال باقية حتى اليوم لا نجد نسختان تتفقان تماماً، وأما رسائل بولس فلها ستة قراءات مختلفة تماماً)). ويقول: ((ليس لدينا أي مخطوطات يدوية يمكن مطابقتها مع الآخرين)).

وهذا يعني أنه لا توجد أية وسيلة من وسائل الاتصال بين هذا الإنجيل الذي في يد النصارى الآن، وبين عيسى عليه السلام، لا من حيث السند، ولا من حيثُ النسخ الخطية‍‍!!

ولا زال النصارى يُحدِّثون طبعاتهم ونسخهم من الأناجيل، بناءً على ما يظهر من نسخٍ خطية، أو بناءً على ما يتفقون عليه في مجامعهم، حتى قال د. منقذ السقار في كتابه ((هل العهد الجديد كلمة الله)): ((والنص المنشور للعهد الجديد ليس نصاً نهائياً، إذ هو رهين اكتشاف المزيد من المخطوطات، تقول مقدمة العهد الجديد للرهبانية اليسوعية: (وبوسعنا اليوم أن نعد نص العهد الجديد نصاً مثبتاً إثباتاً حسناً، وما من داع إلى إعادة النظر فيه إلا إذا عثر على وثائق جديدة). إنه عهد جديد مؤقت حتى إشعار آخر)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير