تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

"هذه الحدود لا تقام اليوم في السودان، لأن تفسيرنا للشريعة متطور أكثر مما هو عليه الحال في البلاد الإسلامية الأخرى. لا يوجد أحد قط في مؤتمرنا الشعبي الإسلامي يُحرِّم المرأة من حق توليها مناصب عامة في الدولة، أو ينكر لها الحق في تولي منصب رئاسة الدولة أو رئاسة الوزراء".

وفي مقابلة أخرى له مع صحيفة القدس العربي اللندنية [26 محرم 1421 الموافق 1/ 5/2000] قلل من شأن إقامة الحدود، وزعم أن "عامة المسلمين وعامة الفقهاء الذين يسمون أنفسهم علماء لا يحملون إلا التراث محفوظاً في أذهانهم، ظنوا أن الحدود هي الشريعة، فأول تطبيق كان لإشهار تطبيق الإسلام للناس ليفرحوا بذلك، ولم يكن ذلك صواباً .. ليس من الدين .. الكلمة نفسها وموقع هذه العقوبة .. الأحكام الجنائية الإسلامية ضئيل جداً فالناس تركوا غالب هذه الأحكام وتحدثوا في أربعة أو خمسة حدود أو دون ذلك".

ثم يشير إلى خوفه من ردة الفعل العالمية لو أقيمت الحدود فيقول:

"الآن لما قام القانون الجنائي الذي كان معداً أيام الحكم السابق في الجمعية التأسيسية، لكنه الآن نفذ من الواقع للإعلام العالمي والضغط العالمي .. الضغط العالمي شديد في مسألة الحدود هذه خاصة بعد قطع أو جلد زان أو مختمر إلا في البلاد التي يوازن الضغط أيضاً رخاء في الثروة عندها، كالبلاد الإسلامية التي تجاورنا شرقياً [يقصد السعودية] .. فلأنهم يطمعون في ثرواتها يسكتون، حتى لو رأوا بأعينهم الحدود وكرهوها. أما هنا فإذا وجدوا فينا مشهداً من تلك المشاهد فيمكن أن يقيموا الدنيا كلها والقرارات العالمية كلها".

حديث الترابي مع "ديرشبيغل" ذكرني بمقابلة أجراها أحد الذين يهرفون بما لا يعرفون مع إحدى الفضائيات الأوربية، وكان موضوعها: مكانة المرأة وحقوقها في الإسلام، وأرهق المتحدث نفسه وهو يحشد ما يظنه أدلة يثبت من خلالها أن المرأة في الإسلام مثل الرجل سواء بسواء، ولعله كان يتوقع بأن المستمعين سيعجبون بطرحه، وفوجئ عندما أنهت المذيعة المقابلة وهي تقول: الحكم الشرعي في هذه المسألة معروف ومشهور، ولن تستطيع أنت ولا عشرات من أمثالك تغييره. وهكذا حال ومآل من أراد إرضاء الناس بسخط الله.

الأنكى من ذلك كله أننا أمام دولة ترفع شعار الإسلام: عقيدة [طبعاً الفن من العقيدة]، وشريعة ونظام حياة .. ثم لا تقيم الحدود، وها قد مضى على قيامها عشر سنين دون أن تظهر منها أية بادرة تعرب فيها عن نيتها في إقامتها، مع أن الجبهة القومية أثناء الحكم الذي سبق انقلاب 1989، كانوا يتهمون بعض الأحزاب الحاكمة بالكفر لأنها كانت تراوغ في مسألة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ومنها إقامة الحدود.

وهاهو شيخ هذا النظام ومنظره يقول لمجلة "ديرشبيغل" الألمانية: إننا لا نقيم الحدود لأن تفسيرنا للشريعة متطور [وسيأتي الحديث عن هذا التطور]، وليس في قوله هذا أي اعتذار، ولا أي وعد بأنهم سيستدركون هذا النقص.

وفي مقابلته مع جريدة القدس يقلل من شأن إقامة الحدود. ويهاجم العلماء لأنهم لا يحملون إلا التراث محفوظاً في أذهانهم، ويعتقد أن بعض الأحكام مثل "الربا" تحتاج إلى اجتهاد جديد، والاجتهاد عنده مغاير للاجتهاد الشرعي، وقد رأينا من قبل إلغاءه لحد الردة.

ويستغرب الترابي كيف ترك الناس الاهتمام بأحكام الشريعة، وتحدثوا في أربعة أو خمسة حدود أو دون ذلك.

الناس الذين يقصدهم الترابي يهتمون بالإسلام كله، ويعلمون بأن الإسلام جاء ليحكم، وليكون الدين كله لله، قال تعالى: ((ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)) [المائدة: 44].

وقال: ((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في صدورهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً)) [النساء: 65].

أما الغرب الذي يخشاه فلقد حرك دول الجوار وبالأخص: أرتيريا، وأثيوبيا، وأوغندا، وقوات قرنق، وقدم لهم كل أنواع الدعم المادية والمعنوية، ومع ذلك كله فقد عجزوا عن تحقيق هدفهم في إسقاط نظام الإنقاذ، ترى أين عقيدة التوكل على الله؟ قال سبحانه وتعالى: ((الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله. والله ذو فضل عظيم)).

وقال تعالى: ((أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير