وسواء كانت الحدود التي ألغاها الترابي حداً واحداً أو أكثر .. وسواء كانت الحدود التي أعرض عن تطبيقها رغبة أو رهبة حداً واحداً أو أكثر فيجب قتال هذا النظام إذا توفرت الاستطاعة كما قاتل أبو بكر الصديق صنفاً من أصناف المرتدين امتنعوا عن دفع الزكاة دون غيرها من أحكام الإسلام، وهذا ما أجمع عليه الصحابة رضوان الله عليهم بعد أن استبان لهم الدليل.
يقول الشيخ رشيد رضا ما موجزه:
"من المسائل المجمع عليها قولاً واعتقاداً أن إباحة المجمع على تحريمه: كالزنا، والسكر، واستباحة الحدود، وشرع ما لم يأذن به الله كفر وردة". [تفسير المنار: 6/ 367].
2 - نعود إلى حديث الترابي عن الاتحاد والفناء في ذات الله بالفن، وكان مما قاله فيما مضى من هذا البحث:
"والدين التوحيدي هو الذي يحرر المؤمن من كل ما يستعبده في النفس والمجتمع ويخلصه لربه فيلتزم من تلقاء نفسه بأمر الله، ويتحد ويفنى فيه. ولا يستشعر مجانبة ولا حرجاً" اه.
أصحاب هذا الاعتقاد يقولون: إن وجود المحدثات المخلوقات هو عين وجود الخالق، ليس غيره ولا سواه، والاتحاد نوعان: اتحاد عام وهم الذين يعتقدون أن الكائنات المخلوقة متحدة في ذات الخالق، واتحاد خاص وهم الذين يقولون: إن الله هو المسيح بن مريم. قال تعالى: ((لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم)) [المائدة:17].
ودعاة الاتحاد العام أشد كفراً وزندقة من دعاة الاتحاد الخاص، يقول ابن القيم في نونيته:
حاشا النصارى أن يكونوا مثله * وهم الحمير وعابدوا الصلبان
هم خصصوه بالمسيح وأمه * وأولاء ما صانوه عن الحيوان
هل كان الترابي يفهم معنى الاتحاد والفناء في ذات الله، أم كان يلقي الكلام على عواهنه؟ هذا ما سوف نشير إليه بعد الانتهاء من عرض "فكر الترابي" إن شاء الله.
3 - يدعي الترابي أن في الإسلام جوانب كثيرة علمانية، قال في جريدة الراية القطرية [19/ 10/1986]:
"إن للإسلام جوانب علمانية كثيرة .. وإن العلمانية لا دينية سياسية .. ليس لأنها ضد الدين، ولكنها ليست من الدين في شيء .. كما أنها لا تريد أن تلغي دور الدين أو تهمله في الحياة عامة .. فلا شأن لها بذلك .. ولكنها نظرية أو مذهب أو عقيدة سياسية يحسن أن نسميها اللادينية السياسية".
4 - وعن الجهاد يقول:
"القتال حكم ماض، هذا قول تجاوزه الفكر الإسلامي الحديث، في الواقع الحديث، ولا أقول إن الحكم قد تغير، ولكن أقول إن الواقع قد تغير، هذا الحكم عندما ساد كان في واقع معين، وكان العالم كله قائماً على علاقة العدوان، لا يعرف المسالمة، ولا الموادعة، كانت امبراطوريات، إما أن تعدو عليها أو تعدو عليك. ولذلك كان الأمر كله قتالاً في قتال، أو دفاعاً في دفاع - إن شئت -" (10).
قوله هذا مخالف للقرآن والسنة والإجماع، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن السبب الذي ذكره حجة عليه وليس له لأن هذه الامبراطوريات - الدول الكبرى - ما زالت تعدو علينا، وتحرض حلفاءها في المنطقة ضدنا، وما أمر حرب الخليج الأولى والثانية عنا ببعيد، كما أن إسرائيل ما زالت تحتل فلسطيننا منذ أكثر من نصف قرن، وفي عام 1967 ابتلعت القدس ومعها أراض عربية تتجاوز ضعف المساحة التي ابتلعتها عام 1948.
وهو (الترابي) لا يجهل وجود هذه الامبراطوريات القوي في الدول الإفريقية المحيطة بالسودان، وسعيها الحثيث بالتعاون مع الأمريكان من أجل الإطاحة بنظام الإنقاذ.
ومن جهة ثالثة فقوله هذا يتعارض مع:
خروجه المسلح - ومعه المعارضة - على نظام جعفر نميري عام 1976، وكان يعتبر خروجه جهاداً في سبيل الله مع أن الجنود السودانيين الذين كان يقاتلهم مسلمون، ولم يكن هذا القتال من أجل تحكيم شريعة الله.
انقلابه العسكري عام 1989 الذي جاء بحكومة الإنقاذ.
قواته الشعبية المسلحة التي تقاتل المعارضة السودانية في جنوب البلاد وشرقها، ويشرف بنفسه على هذه القوات، وعلى الاحتفالات التي يسمونها "عرس الشهيد" فما بال الرجل يوقع نفسه في تناقضات ليس لها حدود؟.
5 - تطاوله على الأنبياء:
يقول عن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: "ده شخص راق لكن ما تقولوا: معصوم ما يعمل حاجة غلط".
وعن إبراهيم عليه السلام قال:
"كان شاكاً في ربه عابداً للكواكب قبل البعثة".
وأن يونس عليه السلام غاضب ربه وظن أنه لن يقدر عليه، وأنه شرد من قومه.
¥