تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- أن أئمة التصوف الأوائل ذكروا أن طريقتهم مقيدة بالكتاب والسنة، وعليه: فأسّ التصوف محمود في أصله؛ إذ هو المتقيد بالشريعة، والمذموم هو ما أحدثه من بعدهم؟.

وهذا التقرير مبني على: أن هناك طريقة صوفية، أسسها الأوائل، متقيدة بالشريعة، واضحة المعالم، مفصلة المسائل، تضاهي الطرق الصوفية الفلسفية والبدعية المنتشرة، في تفصيلها، وترتبيها (يلاحظ: أن هذا التقسيم بحسب الحال، وأما إنكار التقسيم فبحسب الأصل).

والشأن في وجود هذه الطريقة المتقيدة بالشريعة، فلو وجدت، وكانت على شرطها، فبها ونعمت.

لكن كيف لو أنها معدومة، لا وجود لها؟!.

حينئذ تنتفي دعوى تقسيم التصوف إلى: محمود، ومذموم. كما ينتفي قول من زعم أن أصل التصوف محمود. فإنه قول في شيء لا وجود له إلا في الأذهان، والمعركة القائمة إنما في الخارج، فكيف لنا أن نقارن بين ما في الذهن وما في الخارج؟!.

ومن كان في شك من هذا، فليخرج لنا طريقة واحدة متقيدة بالكتاب والسنة.

وإذا كان الجنيد، أو التستري، أو الداراني، وغيرهم قد أعلنوا هذا التقيد، فأين هي طريقتهم، ومذهبهم؟.

أين هي الطرق الصوفية القائمة على التقيد بالكتاب والسنة؟!.

مع العلم أن عامة المتصوفة، قديما وحديثا، يقولون أن طريقتهم متقيدة بالكتاب والسنة، غير أننا لا نرى إلا طرقا فلسفية، تقرر الزندقة بالحلول والاتحاد ووحدة الوجود، وأمثلها طريقة التي تستعمل البدع، وتسير عليها في: الذكر، والعبادة.!!.

بل إننا نجد من الكلام (المنسوب) إلى هؤلاء الأئمة ما يخدم الطريقة الفلسفية، يساق جنبا إلى جنب مع أقوالهم في التقيد بالشريعة، والاتباع يسمعون هذا مع هذا، ولا يدركون التناقض، بل تفسر لهم مؤتلفة متفقة، فيعتنقون هذا التصوف بانحرافاته، وهم يزعمون ويظنون أنهم لم يخالفوا الشريعة!!.

فالحاصل والواقع أن طريقة هؤلاء الأئمة الذين أعلنوا التقيد بالشريعة: مجهولة، غير معروفة .. !!.

فإذا كان هذا هو الحال: فكيف يمكن أن يقال: إن تصوف هؤلاء الأوائل هو التصوف الصحيح المحمود؟.

فهذه إحالة إلى مجهول غير معلوم، إلى خطوط عامة، ليس تحتها تفصيلات جلية، كتلك التي في الاتجاه الفلسفي، فمريد التصوف لن يجد هذه الطريقة السنية المزعومة، لن يجد مفصلا إلا الفلسفي أو البدعي .. !!.

ولو قيل: بل الطريقة معروفة، هي طريقة السلف، أهل القرون المفضلة.

فيقال: إذا كان كذلك فلا يصح تسميتها بالتصوف، وقد علم أن هؤلاء لا خبر لهم بالتصوف، وهل من فائدة تجتنى من ذلك إلا تصحيح الطريقة الصوفية الفلسفية؛ إذ لا وجود في الواقع لغيرها، فكل تحسين وتصحيح فلا يتجه إلا إليها؟.

ولو فرضنا جدلا: أن التصوف مصطلح دال على الزهد الشرعي في أصله. ثم إنه تلبس به ما فيه معارضة للشريعة، حتى صار هو الأشهر: لكان من الحكمة تركه والإعراض عنه، حتى لا يختلط الحق بالباطل؛ إذ لا موجب شرعيا ولا عقليا للتمسك به، وثمة مصطلح يغني عنه، ليس فيه لبس ولا تضليل هو: الزهد.

وهنا مثل: الأصل في (التشيع) أنه محمود؛ لأنه دال على نصرة آل البيت، لكن لما انحرف معناه، فصار مصطلحا دالا على سب الصحابة وتكفيرهم: ترك أهل السنة الانتساب إليه، منعا للتلبيس.

فكيف بمصطلح لا يثبت له أصل محمود، وهو متضمن لما يضاد الإسلام، ولا وجود للمحمود منه؟!.

فمهما قيل، فإن كافة الحجج التي يستند إليها من يرد تقسيم التصوف إلى: سني، وفلسفي. تنهار أمام البراهين العقلية، والشواهد التاريخية، وكذا الأدلة الشرعية.

* * *

- عموم المتصوفة من أهل السنة والجماعة.

وبعد هذا التقصي لأصل التصوف: هنا نأتي للتساؤل المنطقي بعد هذا العرض والتقرير:

إذا بطل تقسيم التصوف، فكان فكرة فلسفية غالية، فكيف يكون حينئذ عموم المتصوفة من أهل السنة؟!.

فالجواب أن يقال: هذا التعجب مبني على فكرتين خاطئتين، أولاهما:

- (تطبيق حكم الفكرة على المنتسبين إليها).

فإذا كان التصوف فلسفيا منحرفا، فالمتصوفة كذلك. وإذا كان سنيا خالصا، فالمتصوفة كذلك.

لا، ليس الأمر كذلك، بل البناء الصحيح: التفريق بين الفكرة والمنتسبين إليها. فما كل المنتسبين متحققون، كما أنهم ليسوا كلهم غير متحققين بالفكرة، بل الأمر بين ذلك.

فالمتصوفة على درجات:

- منهم المتحقق بالتصوف، الذي يصح أن يسمى به حقيقة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير