قوله: (أولاً: تجرئة أهل العلم على العمل على إعادة النظر في كل ما يرجع إلى الاجتهاد في تحرير حكمه، وعدم الخضوع للاجتهاد السابق كحكم مُسلَّم، فذلك إنما بُني على نظر، ولا يخلو من أن يكون متأثراً بزمان ومكان وحال من صار إليه) اهـ.
قلت: إن دعوة الجديع أهل العلم إعادة النظر في كل ما يرجع الاجتهاد في تحرير حكمه ... دعوة صحيحة لا شك فيها.
ولكن ما هي المسائل التي ترجع إلى الاجتهاد الذي يجب إعادة النظر فيه؟
إن المعلوم من مذاهب أهل السنة والجماعة هو النظر في المسائل التي لم يرد فيها نص من كتاب أو سنة أو إجماع. أما ما ورد فيه نص أو إجماع فلا يرجع إلى الاجتهاد فيها.
أما أصحاب المدرسة العقلية -التي هي إمتداد للمدرسة الاعتزالية- فكل المسائل عندهم خاضعة للاجتهاد -بل وفق أصولهم الاعتزالية الكلامية-، إلا أنهم -بل بعضهم- لا يتجرئون على الكتاب والسنة. - على طريقةٍ خاصةٍ في تأويل النصوص- أما ما عداها فلا يأبئون به، ومن ذلك الإجماع، ومذاهب الصحابة، والمصالح المرسلة وغير ذلك من الأصول لدى أهل السنة والجماعة ().
فإن كان الجديع يريد ما عليه أهل السنة والجماعة فدعوته صحيحة، أما إذا كان يريد الآخر وهو الاجتهاد وفق مذهب المدرسة العقلية فلا يوافق عليه، وهو خلاف مذهب أهل السنة والجماعة.
ومن هنا كانت منطلقات الجديع في كتبه الثلاثة ومنها هذا الكتاب، غير منطلقات أهل السنة والجماعة، فمسألة «اللحية» فيها النصوص واردة وصريحة في الأمر ولا صارف لها عن الوجوب، وكذلك ورد الإجماع على ذلك من الصحابة والتابعين كما نقل عنهم -وسيأتي بسط ذلك-، ولكن لم يسع الجديع ذلك، فسلك المسلك المذكور فأوَّل النصوص، وردَّ الإجماع، وكذلك لم يقنع بما نص عليه الأئمة الأربعة () - فجميعهم نصوا على العمل بما ورد عن الصحابي الجليل عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- كما سيأتي بيانه.
وأيضاً لو تجاوزنا كل ما تقدم، فهل يخفى على الجديع أن الاجتهاد إنما يكون فيما كان فيه اختلاف دون ما كان مجمعاً عليه لا اختلاف فيه -كهذه المسألة- وإنما حدث الاختلاف على الأئمة الأربعة من بعض أصحابهم المتأخرين نظراً لورود بعض الدلائل الظنية -كما سيأتي بيان ذلك- فهل خفي عليه هذا فاجتهد فيما لا اجتهاد فيه.
ولذا تجد أن المعتمد في كل مذهب هو التحريم لحلق اللحية.
قلت: وبعد بيان ما هي المسائل التي يرجع فيها للاجتهاد وفق أصول أهل السنة. فما أدري ما هي التجرئة التي يريد الجديع حث أهل العلم عليها!!
الوجه الثاني: الخلل من جهة تطبيق الجديع لما ذكره في مقدمته وحقيقة ذلك في كتابه:
قوله: (رابعاً: الإعلام بضرورة تحرير السَّنة، دفعاً للتعلق في الآراء بما لا أصل له في الوحي، أو بظن ضعيف مرجوح لا يحسن أن يُبنى عليه رأي، وتحرير النقل عن علماء الأمة، فكم من رأي حُكي عن إمام على غير وجهه؟
وكم من إجماع ادعي فلا تجد إلا ما يدل على نقضه؟).
قلت: هذا الكلام ما أَحْسَنه وأَجْمَله، وحُسْنُه يكمن في جودة الأسلوب وشدِّة الخطب، وقوة الحجَّة ... ، وقُلْ ما شئت.
ولكن عندما تقرأ الكتاب وتتبصّر المسألة وتبحث عن التحرير المذكور ... ، بمختلف أنواعه فإنك لا تجد في الحقيقة سوى الوهم ... ، فتجد إخفاء لحقائق علمية، وخللاً في التأصيل بمخالفة أصول أهل العلم، وتناقظات علمية ظاهرة، وتدليس وتزوير ()، وتصحيح لما ليس بصحيح، .. وقد ذكرت بعض ذلك في هذا الردِّ معنوناً بما تقدم لتظهر حقيقة هذا الكتاب وعلمية مؤلفه عفا الله عنا وعنه.
القسم الثالث: الرد على كتاب اللحية
(وهي الرسالة التي أرسلتها للجديع)
بتاريخ 9/ 10/1425هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن اقتضى أثره. وبعد:
فأكتب إليكم هذه الرسالة، وأحب أن أطمئن على صحتك وصحة أولادك بارك الله فيهم أجمعين، وأسأل الله لكم العفو والعافية والهداية. آمين.
وأما نحن فبصحة وعافية وخير من الله العلي القدير، فنحمده تعالى ونشكره ونسأله أن يجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين الشاكرين إنه سميع قريب مجيب. وبعد:
¥