تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد أمرَنَا اللهُ –سُبحانَه وتعالى- باتباعِه واتباعِ نَبيِّه (صلى الله عليه وسلم) في غَير آية مِن آياتِ القُرآن الكَريم؛ فقال –تعالى- (مَن يُطِع الرَّسولَ فقد أطاعَ الله) [النِّساء: 80]، وقال (وما آتاكُم الرَّسولُ فَخُذوه وما نهاكُم عَنه فانتَهوا) [الحَشر: 7]، وقال (يا أيُّها الذين آمَنوا لا تُقَدِّموا بَينَ يَدَي اللهِ ورَسولِه) [الحُجُرات: 1]، وقال (وما تَنَازَعتُم في شَيء فَرُدُّوه إلى اللهِ والرَّسول) [النِّساء: 59]، وقال (فلا وَرَبِك لا يؤمِنون حتَّى يُحَكِّموك فيما شَجَرَ بَينَهم ثم لا يَجدِوا في أنفُسِهم حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ ويُسَلِّموا تَسليمًا) [النِّساء: 65]، وقال (قُل إن كُنتم تُحِبُّون اللهَ فاتَّبِعوني يُحْبِبْكُم اللهُ ويَغفِر لَكُم ذُنُوبَكم) [آل عِمران: 31].

وبَيَّن الحَقُّ –عَزَّ وجَل- في كِتابِه أنَّ الدِّين كَمُل بوفاةِ النَّبي (صلى الله عليه وسلم)؛ فقال –تعالى- على لِسان نَبيِّه (صلى الله عليه وسلم): (اليومَ أكمَلتُ لَكمُ دينَكم وأتمَمتُ عَلَيكم نِعمَتي ورَضيتُ لكم الإسلامَ دينًا) [المائدة: 3].

وقال النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم): "مَن أحدَثَ في أمرِنا هذا ما ليسَ مِنه فهو رَدٌ" [متفق عليه]، وفي رواية: "مَن عَمِلَ عَمَلا ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌ" [رواه مُسلِم]، وقال: "إيَّاكم ومُحدَثاتُ الأمور؛ فإنَّ كل مُحدَثَة بِدْعَة، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضلالة" [رواه أحمَد، وهو في صَحيح الجامِع]، وقال: "وكُل ضلالةٍ في النار" [رواه النَّسائي، وهو في صَحيح الجامِع].

فالأصل في العِبادات التَّحريم إلا إذا دَلَّ النَّصُ على خِلاف ذَلِك، بِعَكس العادات؛ فتنَبَّه!

ولو كانَ هذا القَولُ مَشروعًا لَبَيَّنه النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم) لأمَّتِه؛ بل ثَبَت عَن النَّبي (صلى الله عليه وسلم) أنَّه قال لعَبد الله بن مَسعود (رَضي الله عَنه): "اقْرأ عَليَّ القُرآن"، فقال: يا رَسولَ الله أقرأ عَليَك وعَلَيك أنزِل؟! قال: "إنِّي أحِبُّ أن أسمَعَه مِن غَيري"، فقرأتُ عليه سُورَة النِّساء. حتَى جِئتُ إلى هذه الآية: (فكيف إذا جِئنا مِن كُلِّ أمَّة بِشَهيدٍ وجِئنَا بِكَ على هؤلاءِ شَهيدًا) [الآية: 41]. قال: "حَسبُك الآن"، فالتَفَتَ إليه فإذا عَيناه تَذرِفان. [مُتفق عَليه]، وفي رواية للبخاري [ح 5050، 4582 - «فتح»] قال رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم): "أمسِك".

ومِن القواعِد الأصولية أنَّه "لا يجوز تأخير البَيان عَن وَقت الحاجَة"؛ فلو كان قول (صَدق اللهُ العَظيم) مَشروعًا لَنَبَّه النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم) عَبدَ الله بنَ مسعود –رَضي الله عَنه- عَلَيه ودَلَّه عليه وأمرَه بأن يقولَه؛ فلما لم يُبَيِّن النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم) مَشروعية ذلك دَلَّ على أنَّه لا يُشرَع؛ و"تَرك البَيان في وَقت الحاجَة بَيانٌ" –كما تُقَرِّرُ القاعِدَة الأصولية.

بل قال (صلى الله عليه وسلم) بعد الفراغ مِن التلاوة: "حَسبُك الآن"؛ مِمَّا يَدُل دلالةً واضِحَةً أنَّها هذا القولَ لا يَشرُع، بل المَشروع بعد الفراغ مِن التلاوة هو السُّكوت أو الكلام المُباح أو مُباشرة العَمل أو خِلافُه مِمَّا هو مُباحٌ في أصلِه، ولا نَقولُ: كيف نَخلِط بين القُرآن وكلام البَشَر دون فاصِل! نقول: نحن أمِرنا بالاتباع لا الابتداع، ومَصدر الدِّين النَّقل لا العَقل، والدِّينُ لا يؤخَذ بالرأي، و"لو كان الدِّينُ بالرأي لكان أسفل الخُف أولى بالمَسح مِن أعلاه"؛ كما ثَبَتَ عَن (علىُّ بن أبي طالِب) –رَضي الله عَنه-[رواه أبو داود].

بل قد ثَبَت –والحمدُ لله- في السُّنَة القولية ما يَدُل على أنَّ النَّبيَ (صلى الله عليه وسلم) لم يَفصِل بين القرآن الكَريم وكلامِه العادي بفاصِل؛ ففي "خُطبة الحاجَة" كان النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم) يقرأ –أحيانًا- ثلاث آيات بعد الشهادَتَين؛ هم على التَّرتيب: الآية 102 مِن سورة "آل عِمران"، الآية 1 مِن سورة "النِّساء"، الآيتَين 70، 71 مِن سورة "الأحزاب"، ثم يقول بَعدَها -دون فاصل-: "أما بعد؛ فإنَّ أصدق الحَديث كِتابُ الله تعالى ... " [رواه مُسلِم والنَّسائي].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير