فى ((الموطأ)) أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ العَقِيقَةِ، فقالَ: ((لاَ أُحِبُّ العُقُوقَ)) كأنه كَرِهَ الاسم، ذكره عن زيد بن أسلم، عن رجل من بنى ضَمْرَةَ، عن أبيه. قال ابن عبد البر: وأحسنُ أسانيده ما ذكره عبد الرزاق: أنبأ داود ابن قيس، قال: سمعتُ عمرو بن شعيب يُحدِّث عن أبيه، عن جده قال: سُئل رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ العَقِيقَةِ، فقال: ((لا أُحِبُّ العُقُوقَ)) وكَأَنَّهُ كَرِهَ الاسْمَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ يَنْسُكُ أَحَدُنَا عَنْ وَلَدِهِ؟ فَقَالَ: ((مَنْ أَحَبَّ مِنْكُم أنَ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ، فَلْيَفْعَلْ: عَنِ الغُلاَم شَاتَانِ، وَعَنِ الجَارِيَةِ شَاة)).
@@@ [قال الشيخ ابن باز: سنده لا بأس به والعقيقة سنة مؤكدة والأفضل أن تكون في اليوم السابع لحديث سمرة والأفضل أن تكون من الغنم والأفضل في الشاتان أن تكونا في يوم واحد ولا بأس إن عق بالأولى والثانية بعدها بفترة]
وصح عنه من حديث عائِشَةَ رضى اللَّه عنها: ((عَنِ الغُلام شَاتَانِ، وَعَنِ الجَارِيَةِ شَاةٌ)).
وقال: ((كُلُّ غُلاَم رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ، ويُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى)).
قال الإمام أحمد: معناه: أنه محبوسٌ عن الشفاعة فى أبويه، والرهن فى اللُّغة: الحبس، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38]، وظاهر الحديثِ أنه رهينةٌ فى نفسه، ممنوعٌ محبوس عن خير يُراد به، ولا يلزمُ من ذلك أن يُعاقَب على ذلك فى الآخرة، وإن حُبِسَ بترك أبويه العقيقةَ عما ينالُه مَنْ عَقَّ عنه أبواه، وقد يفوتُ الولَد خير بسبب تفريطِ الأبوين وإن لم يكن مِن كسبه، كما أنَّه عند الجِماع إذا سمَّى أبوه، لم يضرَّ الشيطانُ ولَدَه، وإذا ترك التسميةَ، لم يحصل للولد هذا الحِفْظُ.
@@@ [قال الشيخ ابن باز: هذا الكلام ليس بجيد وليس عليه دليل وقوله صلى الله عليه وسلم (كل غلام رهينة بعقيقته) الله أعلم به ولم يفسره الرسول صلى الله عليه وسلم وتفسير ابن القيم هنا اجتهاد منه ولا يقر عليه]
وأيضاً فإنَّ هذا إنما يدُلُّ على أنها لازمة لا بُد منها، فشبه لزومَها وعدَمَ انفكاك المولود عنها بالرهن. وقد يَسْتَدِلُّ بهذا مَن يرى وجوبَها كالليث بن سعْد والحسن البصرى، وأهل الظاهر. واللَّه أعلم.
فإن قيل: فكيف تصنعون فى رواية همَّام عن قتادة فى هذا الحديث: ((ويُدَمَّى)) قال همام: سُئِلَ قتادةُ عن قوله: و ((يُدَمَّى)) كيف يصنعُ بالدم؟ فقال: إذا ذُبِحَت العقيقةُ، أُخِذَتْ منها صوفة، واستُقبِلَت بها أوداجُها، ثم تُوضعُ على يافوخِ الصَّبىِّ حتى تَسِيلَ على رأسه مثلَ الخيط، ثم يُغسل رأسه بعد ويُحلق.
@@@ [قال الشيخ ابن باز: الصواب (ويسمى) ورواية (ويدمى) وهم، والسنة في اليوم السابع أن يعق عنه ويسمى ويحلق رأسه ولم يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يفعل باللحم فهو بالإختيار يفعل به كيف شاء ومن لم يعق عنه فيعق عن نفسه]
قيل: اختَلَف الناسُ فى ذلك، فمِن قائل: هذا من رواية الحسن عن سَمُرَةَ، ولا يَصِحُّ سماعُه عنه، ومِن قائل: سماعُ الحسن عن سَمُرَةَ حديث العقيقة هذا صحيح، صحَّحه التِرمِذىُّ، وغيرُه، وقد ذكره البخارىُّ فى ((صحيحه)) عن حبيب بن الشهيد قال: قال لى محمَّدُ بنُ سيرين: اذهب فَسَلِ الحَسَنَ ممن سمِع حديثَ العقيقة؟ فسأله فقال: سمعته من سَمُرَة.
ثم اختُلِفَ فى التدميةِ بعدُ: هل هى صحيحة، أو غلط؟ على قولين. فقال أبو داود فى ((سننه)): هى وهم مِن همَّام بن يحيى. وقوله: ((ويُدَمَّى))، إنما هو ((ويُسَمَّى)) وقال غيرُه: كان فى لسان هَمَّام لُثْغَةٌ فقال: ((ويُدَمَّى)) وإنما أراد أن يُسمَّى، وهذا لا يصِح، فإن هماماً وإن كان وَهِمَ فى اللفظ، ولم يُقِمْه لِسانُه، فقد حكى عن قتادة صفةَ التدمية، وأنه سئل عنها فأجاب بذلك، وهذا لا تحتمِلُه اللُّغة بوجه، فإن كان لفظُ التدمية هنا وَهْماً، فهو من قتادة، أو من الحسن، والذين أثبتوا لفظَ التدمية قالوا: إنه من سُنَّة العقيقة، وهذا مروى عن الحسن وقتادة، والذين منعوا التدمية، كمالك، والشافعى، وأحمد، وإسحاق، قالوا: ((ويُدَمَّى)) غلط، وإنما هو: ((ويُسمَّى))، قالوا: وهذا كان مِن عملِ أهلِ
¥