تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وذلك لأن قوله: لو كنتُ فعلتُ كذا وكذا، لم يَفُتْنِى ما فاتنى، أو لم أقع فيما وقعتُ فيه، كلامٌ لا يُجدى عليه فائدةً البتة، فإنه غيرُ مستقبِل لما استدبر من أمره، وغيرُ مستقِيل عَثْرَتَه بـ ((لو))، وفى ضمن ((لو)) ادعاء أن الأمر لو كان كما قدَّره فى نفسه، لكان غيرَ ما قضاه اللَّه وقدَّرَه وشاءه، فإنَّ ما وقع مما يتمنَّى خلافَه إنما وقع بقضاء اللَّه وقَدَرِه ومشيئته، فإذا قال: لو أنى فعلتُ كذا، لكان خلافَ ما وقع فهو مُحال، إذ خلافُ المقدَّر المقْضىِّ مُحال، فقد تضمَّن كلامُه كذباً وجهلاً ومُحالاً، وإن سَلِمَ من التكذيب بالقَدَر، لم يَسْلَم مِن معارضته بقوله: لو أنى فعلتُ كذا، لدفعتُ ما قَدَّر اللَّهُ علىَّ.

فإن قيل: ليس فى هذا ردٌ للقَدَر ولا جَحدٌ له، إذ تلك الأسبابُ التى تمنَّاها أيضاً مِن القَدَر، فهو يقول: لو وقفتُ

لهذا القَدَر،

@@@ [قال الشيخ ابن باز: الأقرب (لو وفقت لهذا القدر)]

لاندفع به عنِّى ذلك القَدَرُ، فإن القَدَرَ يُدفع بعضُه ببعض، كما يُدفع قَدَرُ المرضِ بالدواءِ، وقدرُ الذنوب بالتوبةِ، وقدرُ العدوِّ بالجهاد، فكلاهما من القَدَر.

قيل: هذا حقّ، ولكن هذا ينفعُ قبل وقوعِ القَدَر المكروه، وأما إذا وقع، فلا سبيلَ إلى دفعه، وإن كان له سبيلٌ إلى دفعه أو تخفيفه بقَدَر آخر، فهو أولى به من قوله: لو كنتُ فعلته، بل وظيفتُه فى هذه الحالة أن يستقبلَ فعلَه الذى يدفع به أو يخفف أثرَ ما وقع، ولا يتمنَّى ما لا مطمع فى وقوعه، فإنه عجزٌ محضٌ، واللَّه يلومُ على العجز، ويُحب الكَيْسَ، ويأمر به، والكَيْسُ: هو مباشرةُ الأسباب التى ربطَ اللَّهُ بها مُسِّبباتِها النافعة للعبد فى معاشه ومعاده، فهذه تفتحُ عمل الخيرِ، وأما العجزُ، فإنه يفتحُ عملَ الشيطان، فإنه إذا عَجَزَ عما ينفعُه، وصار إلى الأمانى الباطِلة بقوله: لَوْ كَانَ كَذَا وكَذَا، ولو فعلتُ كَذَا، يُفتح عليه عمل الشيطان، فإن بابَه العجزُ والكسل، ولهذا استعاذ النبىُّ صلى الله عليه وسلم منهما، وهما مفتاحُ كلِّ شر، ويصدر عنهما الهمُّ، والحَزَنُ، والجُبْنُ، والبُخْلُ، وَضَلَعُ الدَّيْنِ، وغَلَبَةُ الرِّجَالِ، فمصدرُها كُلها عن العجز والكسل، وعنوانها ((لو) فلذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم: ((فإن ((لو)) تفتحُ عمل الشيطان)) فالمتمنِّى مِن أعجز الناس وأفلسهم، فإن التمنى رأسُ أموال المفاليسِ، والعجزُ مفتاح كُلِّ شر.

ـ[علي بن حسين فقيهي]ــــــــ[18 - 08 - 06, 05:40 م]ـ

@@@ مغرب الأحد 3/ 7 / 1413 هـ

والمقصودُ أنَّ النبى صلى الله عليه وسلم استعاذ مِن الهمِّ والحَزَنِ، وهما قرينانِ، ومِنَ العَجزِ والكَسَلِ، وهما قرينان، فإنَّ تَخلُّفَ كمالِ العبد وصلاحِهِ عنه، إما أن يكون لِعدم قدرته عليه، فهو عجز، أو يكونَ قادراً عليه، لكن لا يُريدُ فهو كسل، وينشأ عن هاتين الصفتين، فواتُ كُلِّ خير، وحصولُ كلِّ شر، ومن ذلك الشر تعطيلُه عن النفع ببدنه، وهو الجبن، وعن النفع بماله، وهو البخل، ثم ينشأ له بذلك غلبتان: غلبة بحق، وهى غلبة الدَّيْن، وغلبة بباطل، وهى غلبةُ الرِّجال،

@@@ [قال الشيخ ابن باز: غلبة الرجال قد تكون بحق كمن كان مجرماً متمرداً فسجن أو قتل وغلبة بالباطل وهو الذي استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم]

وكلُّ هذه المفاسد ثمرة العجز والكسل، ومن هذا قولُه فى الحديث الصحيحِ للرجل الذى قضى عليه، فقال: حَسْبِىَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ، فَقَالَ: ((إنَّ اللَّه يَلُومُ عَلَى العَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بالكَيْسِ، فإذَا غَلَبَكَ أمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِىَ اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ) فهذا قال: حَسْبِىَ اللَّهُ ونِعمَ الوكيلُ بعد عجزه عن الكَيْس الذى لو قام به، لقضى له على خصمه، فلو فعلَ الأسبابَ التى يكون بها كَيِّساً، ثمَّ غُلِبَ فقال: حَسْبِىَ اللَّهُ ونِعْمَ الوكيلُ، لكانت الكلمةُ قد وقعت موقعها، كما أن إبراهيم الخليلَ، لما فعل الأسباب المأمورَ بها، ولم يعجِزْ بتركِها، ولا بتركِ شئ منها، ثم غلبهُ عدوُّه، وألقَوْه فى النار، قال فى تلك الحال: حَسْبِىَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكيلُ فوقعت الكلمةُ موقعها، واستقرت فى مظانِّها، فأثَّرت أثرها، وترتَّب عليها مقتضاها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير