وكان معه رفيق يقال له أبو عبد الله الصوفي وقيل أبو الحسن العسقلاني فلما سمع الأبيات اشترى له بدرهم لحما وطبخه وأطعمه وتفارقا وتنقلت بالمهلبي الأحوال وتولى الوزارة ببغداد لمعز الدولة وضاقت الأحوال برفيقه في السفر الذي اشترى له اللحم وبلغه وزارة المهلبي فقصده وكتب إليه
ألا قل لوزير فدته نفسي @@@ مقالة مذكر ما قد نسيه
أتذكر إذ تقول لضنك عيش @@@ ألا موت يباع فأشتريه
فلما وقف عليها تذكر وهزته أريحية الكرم فأمر له في الحال بسبعمائة درهم ووقع في رقعته (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء) ثم دعا به فخلع عليه وقلده عملا يرتفق به ولما ولي المهلبي الوزارة بعد تلك الإضافة عمل
رق الزمان لفاقتي @@@ ورثى لطول تحرقي
فأنالني ما أرتجيه @@@ وحاد عما أتقي
فلأصفحن عما أتاه @@@ من الذنوب السُبق
حتى جنايته بما @@@ فعل المشيب بمفرقي
وكان لمعز الدولة مملوك تركي في غاية الجمال يدعى تكين الجامدار وكان شديد المحبة له فبعث سرية لمحاربة بعض بني حمدان وجعل المملوك المذكور مقدم الجيش وكان الوزير المهلبي يستحسنه ويرى أنه من أهل الهوى لا من أهل مدد الوغى فعمل فيه
طفل يرق الماء في @@@ جنباته ويرف عوده
ويكاد من شبه العذارى @@@ فيه أن تبدو نهوده
ناطوا بمعقد خصره @@@ سيفا ومنطقة تؤوده
جعلوه قائد عسكر @@@ ضاع الرعيل ومن يقوده
وكان كذلك فإنه ما أنجح وكانت الكرة عليهم
ومن شعره النادر في الرقة قوله
تصارمت الأجفان لما صرمتني @@@ فما تلتقي إلا على عبرة تجري (352)
11 - المتنبي شاعر العصر أبو الطيب أحمد بن الحسين بن الحسن الجعفي الكوفي
في رمضان بين شيراز والعراق وله إحدى وخمسون سنة قال في العبر وليس في العالم أشعر منه أبدا وأما مثله فقليل وقال ابن الأهدل قدم الشام في صباه واشتغل في فنون الأدب ومهر فيها وتضلع من علم اللغة قال له أبو علي الفارسي صاحب الإيضاح والتكملة كم لنا من الجموع على وزن فعلى فقال له المتنبي سريعا حجلى وظربى قال الفارسي ففتشت كتب اللغة ثلاث ليال فلم أجد لهما ثالثا حجلى جمع حجل وهو الطائر المسمى بالقبج وظربى جمع ظربان كقطران وهي دابة منتنة الرائحة ومن الناس كثير يرجحون المتنبي على أبي تمام ومن بعده
ورزق سعادة في شعره واعتنى العلماء بديوانه فشرحوه أكثر من أربعين شرحا مدح جماعة من الملوك ووصله ابن العميد بثلاثين ألفا وأتاه من عضد الدولة صاحب شيراز مثلها
وسمي المتنبي لأنه ادعى النبوة في بادية السماوة وتبعه خلق كثير من كلب وأخرج إليه لؤلؤ أمير حمص نائب الأخشيدية فأسره واستتابه وتفرق أصحابه وكان كافور الإخشيدي يقول لما هجاه من ادعى النبوة إما يدعى الملك
وكان العلماء يحضرون مجلس سيف الدولة ويتناظرون كل ليلة فوقع بين المتنبي وابن خالويه ليلة كلام فوثب ابن خالويه على المتنبي فضرب وجهه بمفتاح فشجه فخرج ودمه يسيل على وجهه فغضب وخرج إلى كافور فلما صدر منه قصد بلاد فارس بالمشرق ومدح عضد الدولة الديلمي فأجزل جائزته فلما رجع من عنده عرض له فاتك بن أبي جهل فقتل المتنبي وابنه محسد وغلامه مفلح بالقرب من النعمانية على ميلين من دير العاقول ثم رأى المتنبي الغلبة ففر فقال له الغلام لا يتحدث عنك بفرار وأنت القائل
الخيل والليل والبيداء تعرفني @@@ والطعن والضرب والقرطاس والقلم
فكر راجعا فقتل
ويحكى أن المعتضد صاحب قرطبة أنشد يوما بيت المتنبي
إذا ظفرت منك العيون بنظرة @@@ أبان لها معنى المطي ورازمه
وجعل يردده فأنشده ابن وهبون الأندلسي بديها
لئن جاد شعر ابن الحسين فإنما @@@تجيد العطايا واللهى تفتح اللهى
تنبأ عجبا بالقريض ولو درى @@@ بأنك تروي شعره لتألها
وقال النامي الشاعر كان قد بقي من الشعر زاوية دخلها المتنبي وكنت أشتهي أن أكون قد سبقته إلى معنيين قالهما ما سبق إليهما أحد هما قوله
رماني الدهر بالأرزاء حتى @@@ فؤادي في غشاء من نبال
فصرت إذا أصابتني سهام @@@ تكسرت النصال على النصال
والآخر قوله
في جحفل ستر العيون غباره @@@ فكأنما يبصرن بالآذان
وقال أبو الفتح بن جني النحوي قرأت ديوان أبي الطيب عليه فلما بلغت قوله في كافور القصيدة التي أولها
أغالب فيك والشوق أغلب @@@ وأعجب من ذا الهجر والوصل أعجب
حتى بلغت إلى قوله
¥