وأخباره كثيرة شهيرة منها أنه كان ليلة كل عيد يرسل وقر بغل دراهم في صرر مكتوب على كل صرة اسم من جعلت له من بين عالم وزاهد وفقير ومحتاج وتوفي يوم الثلاثاء عشرى جمادى الأولى فعلى هذا لم تطل مدته في الاستقلال بل كانت سنة واحدة وشيئا يسيرا رحمه الله تعالى وكانت بلاد الشام في مملكته أيضا مع مصر وكان يدعى له على المنابر بمكة والحجاز جميعه والديار المصرية وبلاد الشام من دمشق وحلب وأنطاكية وطرسوس والمصيصة وغير ذلك وكان تقدير عمره خمسا وستين (356)
17 - وفي هذه السنة من ولايته سقطت القبة الخضراء بمدينة المنصور وكانت تاج بغداد ومأثرة بني العباس وهي من بناء المنصور ارتفاعها ثمانون ذراعا وتحتها إيوان طوله عشرون ذراعا في عشرين ذراعا وعليها تمثال فارس بيده رمح فإذا استقبل بوجهه علم أن خارجيا يظهر من تلك الجهة فسقط رأس هذه القبة في ليلة ذات مطر ورعد (357)
18 - فيها كان خروج الروم من الكفور فأغاروا وقتلوا وسبوا ووصلوا إلى حمص وعظم المصاب وجاءت المغاربة مع القائد جوهر المغربي فأخذوا ديار مصر وأقاموا الدعوة لبني عبيد الرافضة مع أن الدولة بالعراق هذه المدة رافضية والشعار الجاهلي يقام يوم عاشوراء ويوم الغدير (358)
19 - وفي رمضان قدم المعز أبو تميم العبيدي مصر ومعه توابيت آبائه ونزل بالقصر بداخل القاهرة المعزية التي بناها مولاه جوهر لما افتتح الإقليم وقويت شوكة الرفض شرقا وغربا وخفيت السنن وظهرت البدع نسأل الله تعالى العافية (362)
20 - ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة الصابئ الحراني الطبيب المؤرخ صاحب التصانيف كان صابئ النحلة وكان ببغداد في أيام معز الدولة بن بويه وكان طبيبا عالما نبيلا تقرأ عليه كتب بقراط وجالينوس وكان فكاكا للمعاني وكان قد سلك مسلك جده ثابت في نظره في الطب والفلسفة والهندسة وجميع الصناعات الرياضية للقدماء وله تصنيف في التاريخ أحسن فيه (363)
21 - جوهر القائد أبو الحسن الرومي مولى المعز بالله ومقدم جيشه وظهيره ومؤيد دولته وموطد الممالك له وكان عاقلا سايسا حسن السيرة في الرعية على دين مواليه ولم يزل عالي الرتبة نافذ الكلمة إلى أن مات وجرت له فصول في أخذ مصر يطول ذكرها
من ذلك ما ذكره ابن خلكان أن القائد جوهر وصل إلى الجيزة وابتدأ في القتال في الحادي عشر من شعبان سنة ثمان وخمسين فأسرت رجال وأخذت خيل
وفي يوم الجمعة ثامن ذي القعدة أمر جوهر بالزيادة عقيب الخطبة اللهم صل على محمد المصطفى وعلى علي المرتضى وعلى فاطمة البتول وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا اللهم وصل على الأئمة الطاهرين آباء أمير المؤمنين وفي يوم الجمعة ثامن عشر شهر ربيع الآخر سنة تسع وخمسين صلى القائد في جامع طولون بعسكر كثير وخطب عبد السميع بن عمر العباسي الخطيب وذكر أهل البيت وفضائلهم رضي الله عنهم ودعا للقائد جوهر وجهر القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم وقرأ سورة الجمعة والمنافقين في الصلاة وأذن بحي على خير العمل وهو أول ما أذن به بمصر ثم أذن به في سائر المساجد وقنت الخطيب في صلاة الجمعة وفي جمادى الأولى من السنة المذكورة أذنوا في جامع مصر العتيق بحي على خير العمل وسر القائد جوهر بذلك وكتب إلى المعز يبشره بذلك ولما دعا الخطيب على المنبر للقائد جوهر أنكر عليه وقال ليس هذا رسم موالينا وشرع في عمارة الجامع بالقاهرة وفرغ من بنائه في سابع شهر رمضان سنة إحدى وستين وجمع فيه الجمعة وأظن هذا الجامع المعروف بالأزهر (381)
22 - أبو عبيد الله المرزباني محمد بن عمران بن موسى بن سعيد بن عبيد الله الكاتب الأخباري العلامة المعتزلي صنف أخبار المعتزلة وأخبار الشعراء وغير ذلك وحدث عن البغوي وابن دريد ومات في شوال وله ثمان وثمانون سنة قال ابن خلكان الخراساني الأصل البغدادي المولد صاحب التصانيف المشهورة والمجاميع الغريبة وكان راوية للآداب صاحب أخبار وتآليفه كثيرة وكان ثقة في الحديث ومائلا إلى التشيع في المذهب وهو أول من جمع ديوان يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي واعتنى به وهو صغير الحجم يدخل في مقدار ثلاث كراريس وقد جمعه من بعده جماعات وزادوا فيه أشياء ليست له وشعر يزيد مع قلته في غاية الحسن
وجزم الذهبي في العبر أنه كان معتزليا وقال ابن الأهدل المرزباني البغدادي صاحب التصانيف المشهورة كان راوية في الأدب ثقة في الرواية (384)
23 - العزيز بالله أبو منصور نزار بن المعز معد بن المنصور إسماعيل بن القائم بالله محمد بن المهدي العبيدي الباطني صاحب مصر والشام وولى الأمر بعد أبيه وعاش العزيز اثنتين وأربعين سنة وكان شجاعا جوادا حليما وكان أسمر أصهب أعين أشهل حسن الخلق قريبا من الناس لا يحب سفك الدماء له أدب وشعر وكان مغرى بالصيد وقام بعده ابنه الحاكم وهو الذي اختط جامع مصر القاهرة وبنى قصر البحر وقصر الذهب وجامع القرافة قيل أنه كتب إلى صاحب الأندلس المرواني يهجوه ويذم نسبه فكتب إليه المرواني عرفتنا فهجوتنا ولو عرفناك لهجوناك وأجبناك والسلام فاشتد ذلك عليه وأفحمه لأن أكثر الناس لا يسلمون للعييديين نسبتهم إلى أهل البيت ووجد العزيز يوما رقعة على منبر الخطبة فيها
إنا سمعنا نسبا منكرا @@@ يتلى على المنبر بالجامع
إن كنت فيما تدعي صادقا @@@ فانسب أبا بعد الأب الرابع
وإن ترد تحقيق ما قلته @@@ فانسب لنا نفسك كالطائع
أو فدع الأشياء مستورة @@@وادخل بنا في النسب الواسع
فإن أنساب بني هاشم @@@ يقصر عنها طمع الطامع (386)
24 - فيها أقبل الحاكم قاتله الله على التأله والدين وأمر بإنشاء دار العلم بمصر وأحضر فيها الفقهاء والمحدثين وعمر الجامع الحاكمي بالقاهرة وكثر الدعاء له فبقي كذلك ثلاث سنين ثم أخذ يقتل أهل العلم وأغلق تلك الدار ومنع من فعل كثير من الخير
(400)
¥