وقال السبكي شيخ المشايخ وذو القدم الراسخ في العلم والدين كان سيدا جليلا وإماما حفيلا يستمطر الغيث بدعائه ويؤوب المصر بكلامه عن إغوائه من أعلم المشايخ بعلوم الظاهر وممن اتفقوا على عظيم تمسكه بالكتاب والسنة وكانت له أسفار وبدايات وأحوال عاليات ورياضات لقي من النساك شيوخا ومن السلاك طوائف رسخ قدمهم في الطريق رسوخا وصحب من أرباب الأحوال أحبارا وأخيارا وشرب من منهل الطريق كاسات كبارا وسافر مشرقا ومغربا وصابر النفس حتى انقادت له فأصبح مثنى الثناء عليها معربا ذا صبر على الطاعة لا يعصيه فيه قلبه واستمرار على المراقبة شهيد عليه ربه وجنب لا يدري القرار ونفس لا تعرف المأوى إلا البيداء ولا سكن إلا القفار وكان من أولاد الأمراء فتزهد حتى قال كنت أذهب وأجمع الخرق من المزابل وأغسلها وأصلح منها ما ألبسه وروى عنه القاضي أبو بكر بن الباقلاني وغيره ورحل إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري وأخذ عنه وهو من أعيان تلامذته وصنف من الكتب ما لم يصنفه أحد وعمر حتى عم نفعه البلدان وازدحم الناس على جنازته وصلى عليه نحو مائة مرة
(371)
17 - الإمام الكبير الحافظ ابن بطة أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد ابن حمدان بن بطة العكبري الفقيه الحنبلي العبد الصالح توفي في المحرم وله ثلاث وثمانون سنة قال في العبر كان صاحب حديث ولكنه ضعيف من قبل حفظه روى عن البغوي وأبي ذر بن الباغندي وخلق وصنف كتابا كبيرا في السنة قال العتيقي كان مستجاب الدعوة انتهى كلام العبر وقال ابن ناصر الدين كان أحد المحدثين العلماء الزهاد ومن مصنفاته الإبانة في أصول الديانة انتهى وقال ابن أبي يعلى في طبقاته سمع من خلائق لا يحصون فإنه سافر الكثير إلى مكة والثغور والبصرة وغير ذلك وصحبه جماعة من شيوخ المذهب منهم أبو حفص البرمكي وأبو عبد الله بن حامد وأبو إسحاق البرمكي في آخرين ولما رجع من الرحلة لازم بيته أربعين سنة فلم ير في سوق ولا رؤي مفطرا إلا في يوم الفطر والأضحى وأيام التشريق وقال عبد الواحد بن علي العكبري لم أر في شيوخ أصحاب الحديث ولا في غيرهم أحسن هيئة من ابن بطة وكان أمارا بالمعروف
ولم يبلغه خبر منكر إلا غيره وقال أبو محمد الجوهري سمعت أخي أبا عبد الله يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت له يا رسول الله أي المذاهب خير وقال قلت على أي المذاهب أكون فقال ابن بطة ابن بطة ابن بطة فخرجت من بغداد إلى عكبرا فصادف دخولي يوم جمعة فقصدت الشيخ أبا عبد الله بن بطة إلى الجامع فلما رآني قال لي ابتداء صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو عبد الله بن بطة ولدت يوم الاثنين لأربع خلون من شوال سنة أربع وثلثمائة وولد ابن منيع رحمه الله سنة أربع عشرة ومائتين ومات يوم الفطر سنة سبع عشرة وثلثمائة وقرأت عليه معجمه في نفر خاص في مدة عشرة أيام أو أقل أو أكثر وذلك في آخر سنة خمس عشرة وأول سنة ست عشرة وكان بعين ابن بطة ناصور وقد وصف له ترك العشاء فكان يجعل عشاءه قبل الفجر بيسير ولا ينام حتى يصبح وكان عالما بمنازل النيرين
واجتاز ابن بطة بالأحنف العكبري فقام له فشق ذلك عليه فأنشأ الأحنف
لا تلمني على القيام فحقي @@@ حين تبدو أن لا أمل القياما
أنت من أكرم البرية عندي @@@ ومن الحق أن أجل الكراما
فقال ابن بطة متكلفا له الجواب
أنت إن كنت لأعدمتك ترعى @@@ لي حقا وتظهر الاعظاما
فلك الفضل في التقدم والعلم @@@ ولسنا نحب منك احتشاما
فاعفني الآن من قيامك أولا @@@ فسأجزيك بالقيام قياما
وأنا كاره لذلك جدا @@@ أن فيه تملقا وآثاما
لا تكلف أخاك أن يتلقاك @@@ بما يستحل فيه الحراما
وإذا صحت الضمائر منا @@@ اكتفينا أن نتعب الأجساما
كلنا واثق بود أخيه @@@ ففيم انزعاجنا وعلام
ويقال أنه أفتى وهو ابن خمس عشرة سنة ومصنفاته تزيد على مائة رحمه الله تعالى (387)
¥