المذاهب واستمر الحال في ذلك إلى الآن (454)
19 - دخل السلطان أبو طالب محمد بن ميكال سلطان الغز المعروف بطغرلبك بغداد
قال في العبر وهو أول ملوك السلجوقية وأصلهم من أعمال بخارا وهم أهل عمود أول ما ملك هذا الري ثم نيسابور ثم أخذ أخوه داود بلخ وغيرهما واقتسما الممالك وملك طغرلبك العراق وقمع الرافضة وزال به شعارهم وكان عادلا في الجملة حليما كريما محافظا على الصلوات يصوم الخميس والاثنين ويعمر المساجد ودخل بابنة القائم وله سبعون سنة وعاش عقيما ما بشر بولد ومات بالري
وأقيم في السلطنة بعده ابن أخيه عضد الدولة الب أرسلان صاحب خراسان وبعث إليه القائم بالخلع والتقليد قال الذهبي هو أول من ذكر بالسلطان على منابر بغداد وبلغ ما لم يبلغه أحد من الملوك وافتتح بلادا كثيرة من بلاد النصاري واستوزر نظام الملك فأبطل ما كان عليه الوزير قبله عميد الملك من سب الأشعرية فانتصر للشافعية وأكرم إمام الحرمين وأبا القسم القشيري وبنى النظامية قيل وهي أول مدرسة بنيت للفقهاء
وطغرلبك بضم الطاء المهملة وسكون الغين المعجمة وضم الراء وسكون اللام وفتح الموحدة وبعدها كاف هو اسم تركي مركب من طغرل وهو بلغة الترك اسم علم لطائر معروف عندهم وبه سمى الرجل وبك معناه أمير (455)
20 - ولما قام بالمملكة ألب أرسلان أقرالوزير عميد الملك أبو نصر محمد بن منصور الكندري على حاله وزاد في إكرامه ورتبته ثم أنه سيره إلى خوارزم شاه ليخطب له ابنته فارجف اعداؤه انه خطبها لنفسه وشاع ذلك بين الناس فبلغ عميد الملك الخبر فخاف تغير قلب مخدومه عليه فعمد إلى لحيته فحلقها والى مذاكيره فجبها فكان ذلك سبب سلامته من ألب أرسلان وقيل أن السلطان خصاه ثم أن الب ارسلان عزله ونقله إلى مرو الروذ وحبسه في دار وكان في حجرة تلك الدار عياله وكانت له بنت واحدة لا غير فلما احس بالقتل دخل الحجرة وأخرج كفنه وودع عياله وأغلق باب الحجرة وأغتسل وصلى ركعتين وأعطى الذي هم بقتله مائة دينار نيسابورية وقال حقي عليك أن تكفنني في هذا الثوب الذي غسلته بماء زمزم وقال لجلاده قل للوزير نظام الملك بئس ما فعلت علمت الأتراك قتل الوزراء وأصحاب الديوان ومن حفر مهواة وقع فيها ومن سن سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ورضى بقضاء الله المحتوم وقتل يوم الأربعاء سادس عشرى ذي الحجة وعمره يومئذ نيف وأربعون سنة ومن العجائب انه دفنت مذاكيره بخوارزم وأريق دمه بمرو الروذ ودفن جسده بقرية كندر وجمجمته ودماغه بنيسابور وحشيت جثته بالتبن ونقلت إلى كرمان وفي ذلك عبرة لمن اعتبروا كندر قرية من قرى طرثيث من نواحي نيسابور (456)
21 - خرج أرمانوس الرومي في مائتي ألف فارس من الروم والفرنج والكرج بالزاي والجيم وأرسل إليه السلطان ألب أرسلان يريد المهادنة فأبى فاستعد للشهادة وعهد إلى ولده ملكشاه ثم حمل عليهم في خمسة عشر ألف فارس فأعطاه الله النصر وقتل ما لا يحصى وأسر كثيرا وجيء بملكهم إلى بين يديه فضربه بيده ثم فاداه بألف ألف وخمسمائه الف دينار وبكل اسير معهم من المسلمين ولما اطلقه خلع عليه وهادنه خمسين سنة وزوده عشرة آلاف دينار (463)
22 - المعتضد بالله أبو عمرو عباد بن القاضي محمد بن اسمعيل بن عباد اللخمي صاحب إشبيلية ولى بعد أبيه وكان شهما مهيبا صارما ذا هيبة مقداما جرى على سنن أبيه ثم تلقب بأمير المؤمنين وقتل جماعة صبرا وصادر آخرين ودانت له الملوك
وأخبار المعتضد في جميع انحائه وضروب أفعاله بديعة وكان ذا كلف بالنساء فاستوسع في اتخاذهن وخلط في أجناسهن فانتهى في ذلك إلى مدى لم يبلغه أحد من نظرائه ففشا نسله لتوسعته في النكاح وقوته عليه فذكر انه كان له من الولد نحو العشرين ذكورا ومن الإناث مثلهم
ولم يزل في عز سلطانه واغتنام مساره حتى أصابته علة الذبحة فلم تطل مدتها ولما أحس بتداني حمامه استدعى مغنيا يغنيه ليجعل ما يبدأ به فألا فأول ما غنى
نطوي الليالي علما أن ستطوينا @@@ فشعشعيها بماء المزن واسقينا
فتطير من ذلك ولم يعش بعده سوى خمسة أيام وقبل انه ما غنى منها إلا خمسة أبيات. (464)
¥