وقال ابن خلكان اتفق للمستنصر هذا أمور لم تتفق لغيره وسردها منها انه أقام في الأمر سنين سنة وهذا شيء لم يبلغه أحد من أهل بيته ولا من بني العباس ومنها انه ولى وهوابن سبع سنين ومنها انه حدث في أيامه الغلاء العظيم الذي ما عهد مثله منذ زمان يوسف عليه السلام وأقام سبع سنين وأكل الناس بعضهم بعضا وكانت ولادته صبيحة يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الآخرة سنة عشرين وأربعمائة وتوفي في ليلة الخميس ثامن عشر ذي الحجة وهذه الليلة تسمى عيد الغدير أعني غدير خم بضم الخاء المعجمة وتشديد الميم اسم مكان
بين مكة والمدينة فيه غدير ماء يقال انه غيض هناك فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ووصل إلى هذا المكان وآخى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال صلى الله عليه وسلم على منى كهرون من موسى اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وللشيعة فيه تعلق كبير وهذا المكان موصوف بكثرة الوخامة وشدة الحمى
(487)
38 - أبو يوسف القزويني عبد السلام بن محمد بن يوسف بن بندار شيخ المعتزلة وصاحب التفسير الكبير الذي هو أزيد من ثلثمائة مجلد درس الكلام علي القاضي عبد الجبار بالري وسمع منه ومن أبي عمر بن مهدي الفارسي وتنقل في البلاد ودخل مصر وكان صاحب كتب كثيرة وذكاء مفرط وتبحر في المعارف وإطلاع كثير إلا انه كان داعية إلى الاعتزال مات في ذي القعدة وله خمس وتسعون سنة وأشهر (488)
39 - المعتمد على الله أبو القاسم محمد بن المعتضد عباد بن القاضي محمد بن اسمعيل اللخمي الاندلسي صاحب الأندلس كان ملكا جليلا وعالما ذكيا وشاعرا محسنا وبطلا شجاعا وجوادا ممدحا كان بابه محط الرحال وكعبة الآمال وشعره في الذروة العليا ملك من الأندلس من المدائن والحصون والمعاقل مائه وثلاثين سورا وبقى في المملكة نيفا وعشرين سنة وقبض عليه أمير المسلمين ابن تاشفين لما قهره وغلب على ممالكه وسجنه بأغمات حتى مات في شوال بعد أربع وستين سنة وخلع من ملكه عن ثمانمائة سرية ومائة وسبعين ولدا وكان راتبه في اليوم ثمانمائة رطل لحم قاله جميعه في العبر وقال ابن خلكان جعل خواص الأمير يوسف بن تاشفين يعظمون عنده بلاد الأندلس لأنهم كانوا بمراكش وهي بلاد بربر وأجلاف العربان فجعلوا يحسنون له أخذ الأندلس ويوغرون قلبه على المعتمد بأشياء نقلوها عنه فتغير عليه وقصده فلما انتهى إلى سبتة جهز إليه العساكر وقدم عليها سيرين بن أبي بكر الاندلسي فوصل إلى إشبيلية وبها المعتمد فحاصره أشد محاصرة وظهر من مصابرة المعتمد وشدة بأشه وتراميه على الموت بنفسه ما لم يسمع بمثله والناس بالبلد قد استولى عليهم الفزع وخامرهم الجزع يقطعون سبلها سياحه ويخوضون نهرها سباحه ويترامون من شرفات الأسوار فلما كان يوم الأحد عشرى رجب سنة أربع وثمانين هجم عسكر الأمير يوسف البلد وشنوا فيه الغارات ولم يتركوا لأحد شيئا وخرج الناس من منازلهم يسترون عوراتهم بأيديهم وقبض على المعتمد وأهله
ولما أخذ المعتمد قيدوه من ساعته وجعل مع أهله في سفينة قال ابن خاقان في قلائد العقيان ثم جمع هو وأهله وحملتهم الجواري المنشآت وضمتهم كأنهم أموات بعد ما ضاق عنهم القصر وراق منهم العصر والناس قد حشروا بضفتي الوادي وبكوا بدموع الغوادي فساروا والنوح يحدهم والبوح باللوعة لا يحدوهم وفي ذلك يقول ابن اللبانة
تبكي السماء بدمع رائحٍ غادي @@@ على البهاليل من أبناء عباد
يا ضيف أقفر بيت المكرمات فخذ @@@ في ضم رحلك واجمع فضلة الزاد
وقال في هذه الحال وصفتها ابن حمد يس الصقلي
ولما رحلتم بالندى في أكفكم @@@ وقلقل رضوى منكم وثبير
رفعت لساني بالقيامة قد دنت @@@ فهذي الجبال الراسيات تسير
وتألم المعتمد يوما من قيده وضيقه وثقله فأنشد
تبدلت من ظل عز البنود @@@ بذل الحديد وثقل القيود
وكان حديدي سنانا ذليقا @@@ وعضبا رقيقا صقيل الحديد
وقد صاز ذاك وذا أدهما @@@ يعضعض ساقي عض الأسود
ثم انهم حملوه إلى الأمير يوسف بمراكش فأمر بإرسال المعتمد إلى مدينة اغمات واعتقله بها فلم يخرج إلى الممات
وفي اعتقاله يقول أبو بكر الداني قصيدته المشورة التي أولها
لكل شيء من الاشياء ميقات @@@ وللمنى من مناياهن غايات
والدهر في صبغة الحرباء منغمس @@@ ألوان حالاته فيها استحالات
¥