تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فَالطَّائِفَتَانِ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَقْصِدُونَ نَفْعَهُ وَلَا دَفْعَ ضَرَرِهِ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُونَ أَغْرَاضَهُمْ بِهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِنْسَانُ عَابِدًا اللَّهَ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ مُوَالِيًا لَهُ وَمُوَالِيًا فِيهِ وَمُعَادِيًا وَإِلَّا أَكَلَتْهُ الطَّائِفَتَانِ، وَأَدَّى ذَلِكَ إلَى هَلَاكِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ أَحْوَالِ بَنِي آدَمَ وَمَا يَقَعُ بَيْنَهُمْ مِنْ الْمُحَارَبَاتِ وَالْمُخَاصَمَاتِ وَالِاخْتِلَافِ وَالْفِتَنِ.

قَوْمٌ يُوَالُونَ زَيْدًا وَيُعَادُونَ عَمْرًا.

وَآخَرُونَ بِالْعَكْسِ؛ لِأَجْلِ أَغْرَاضِهِمْ فَإِذَا حَصَلُوا عَلَى أَغْرَاضِهِمْ مِمَّنْ يُوَالُونَهُ وَمَا هُمْ طالبونه مِنْ زَيْدٍ انْقَلَبُوا إلَى عَمْرٍو، وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ عَمْرو كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ بَيْنَ أَصْنَافِ النَّاسِ.

وَكَذَلِكَ " الرَّأْسُ " مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَمِيلُ إلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُوَالُونَهُ، وَهُمْ إذَا لَمْ تَكُنْ الْمُوَالَاةُ لِلَّهِ أَضَرَّ عَلَيْهِ مِنْ أُولَئِكَ؛ فَإِنَّ أُولَئِكَ إنَّمَا يَقْصِدُونَ إفْسَادَ دُنْيَاهُ: إمَّا بِقَتْلِهِ أَوْ بِأَخْذِ مَالِهِ، وَإِمَّا بِإِزَالَةِ مَنْصِبِهِ وَهَذَا كُلُّهُ ضَرَرٌ دُنْيَوِيٌّ لَا يُعْتَدُّ بِهِ إذَا سَلمَ الْعَبْدُ، وَهُوَ عَكْسُ حَالِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَمُحِبِّيهَا الَّذِينَ لَا يَعْتَدُّونَ بِفَسَادِ دِينِهِمْ مَعَ سَلَامَةِ دُنْيَاهُمْ. فَهُمْ لَا يُبَالُونَ بِذَلِكَ.

وَأَمَّا " دِينُ الْعَبْدِ " الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا أَوْلِيَاؤُهُ الَّذِينَ يُوَالُونَهُ لِلْأَغْرَاضِ فَإِنَّمَا يَقْصِدُونَ مِنْهُ فَسَادَ دِينِهِ بِمُعَاوَنَتِهِ عَلَى أَغْرَاضِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ انْقَلَبُوا أَعْدَاءً.

فَدَخَلَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ الْأَذَى مِنْ " جِهَتَيْنِ ": مِنْ جِهَةِ مُفَارَقَتِهِمْ. وَمِنْ جِهَةِ عَدَاوَتِهِمْ. وَعَدَاوَتُهُمْ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنْ عَدَاوَةِ أَعْدَائِهِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ شَاهَدُوا مِنْهُ، وَعَرَفُوا مَا لَمْ يَعْرِفْهُ أَعْدَاؤُهُ. فَاسْتَجْلَبُوا بِذَلِكَ عَدَاوَةَ غَيْرِهِمْ فَتَتَضَاعَفُ الْعَدَاوَةُ.

وَإِنْ لَمْ يُحِبّ مُفَارَقَتَهُمْ احْتَاجَ إلَى مُدَاهَنَتِهِمْ وَمُسَاعَدَتِهِمْ عَلَى مَا يُرِيدُونَهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَسَادُ دِينِهِ.

فَإِنْ سَاعَدَهُمْ عَلَى نَيْلِ مَرْتَبَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ نَالَهُ مِمَّا يَعْمَلُونَ فِيهَا نَصِيبًا وَافِرًا وَحَظًّا تَامًّا مِنْ ظُلْمِهِمْ وَجَوْرِهِمْ، وَطَلَبُوا مِنْهُ أَيْضًا أَنْ يُعَاوِنَهُمْ عَلَى أَغْرَاضِهِمْ، وَلَوْ فَاتَتْ أَغْرَاضُهُ الدُّنْيَوِيَّةُ.

فَكَيْفَ بِالدِّينِيَّةِ إنْ وُجِدَتْ فِيهِ، أَوْ عِنْدَهُ؟!

فَإِنَّ الْإِنْسَانَ ظَالِمٌ جَاهِلٌ لَا يَطْلُبُ إلَّا هَوَاهُ.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا فِي الْبَاطِنِ يُحْسِنُ إلَيْهِمْ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، وَيَقْضِي حَوَائِجَهُمْ لِلَّهِ وَتَكُونُ اسْتِعَانَتُهُ عَلَيْهِمْ بِاَللَّهِ تَامَّةً وَتَوَكُّلُهُ عَلَى اللَّهِ تَامٌّ = وَإِلَّا أَفْسَدُوا دِينَهُ وَدُنْيَاهُ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ الْمُشَاهَدُ مِنْ النَّاسِ مِمَّنْ يَطْلُبُ الرِّئَاسَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ؛ فَإِنَّهُ يَطْلُبُ مِنْهُ مِنْ الظُّلْمِ وَالْمَعَاصِي مَا يَنَالُ بِهِ تِلْكَ الرِّئَاسَةَ وَيُحْسِنُ لَهُ هَذَا الرَّأْيَ، وَيُعَادِيهِ إنْ لَمْ يَقُمْ مَعَهُ كَمَا قَدْ جَرَى ذَلِكَ مَعَ غَيْرِ وَاحِدٍ. وَذَلِكَ يَجْرِي فِيمَنْ يُحِبُّ شَخْصًا لِصُورَتِهِ فَإِنَّهُ يَخْدِمُهُ وَيُعَظِّمُهُ وَيُعْطِيه مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيَطْلُبُ مِنْهُ مِنْ الْمُحَرَّمِ مَا يُفْسِدُ دِينَهُ. وَفِيمَنْ يُحِبُّ صَاحِبَ " بِدْعَةٍ " لِكَوْنِهِ لَهُ دَاعِيَةً إلَى تِلْكَ الْبِدْعَةِ يحوجه إلَى أَنْ يَنْصُرَ الْبَاطِلَ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّهُ بَاطِلٌ وَإِلَّا عَادَاهُ، وَلِهَذَا صَارَ عُلَمَاءُ الْكُفَّارِ وَأَهْلُ الْبِدَعِ مَعَ عِلْمِهِمْ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير