وفضل صلاة الفجر، والجماعة كبير، والتفريط فيها خطير، ولو لم يرد سوى هذين الحديث لكفى وهما:
عن عثمان رضي الله عنه عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة، فكأنما صلى الليل كله». رواه مسلم.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيها لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار». متفق عليه.
وأضع بين يدي هذه الوسائل هذه القصص، والمواقف لبعض السلف والعلماء = لنرى كيف كانت عنايتهم بالفرائض، واهتمامهم بها:
الأولى:
في مصنف عبد الرزاق 1/ 526:
عن معمر عن الزهري عن سليمان بن أبي حثمة عن الشفاء بنت عبد الله قالت: «دخل عليَّ بيتي عمر بن الخطاب، فوجد عندي رجلين نائمين، فقال: وما شأن هذين ما شهدا معي الصلاة؟
قلت: يا أمير المؤمنين صليا مع الناس ـ وكان ذلك في رمضان ـ فلم يزالا يصليان حتى أصبحا، وصليا الصبح، وناما، فقال عمر: لأن أصلي الصبح في جماعة أحب إلي من أن أصلي ليلة حتى أصبح».
الثانية:
مصنف عبد الرزاق 1/ 527:
عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال: «كان إذا شهد العشاء الآخرة مع الناس صلى ركعات ثم نام، وإذا لم يشهدها في جماعة أحيا ليله، قال أخبرني بعض أهل معمر: أنه كان يفعله، فحدثت به معمرا قال: كان أيوب يفعله».
الثالثة:
قال أبو نعيم في حلية الأولياء 9/ 12:
حدثنا أحمد بن إسحاق، ثنا عبدالرحمن بن محمد، ثنا عبدالرحمن بن عمر، حدثني يحيى بن عبدالرحمن بن مهدي: أن أباه قام ليلة ـ وكان يُحيي الليل كله ـ، فلما طلع الفجر رمى بنفسه على الفراش، فنام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، فقال: هذا مما جنى عليّ هذا الفراش، فجعل على نفسه أن لا يجعل بينه وبين الأرض وجلده شيئا شهرين، فقرح فخذاه جميعا.
الرابعة:
قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 10/ 320:
أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق قال: سمعت أبا القاسم علي بن الحسن بن زكريا القطيعي الشاعر قال: سمعت أبا القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي يقول: سمعت عبيد الله بن عمر القواريري يقول: لم تكن تكاد تفوتني صلاة العتمة في جماعة، فنزل بي ضيف فشغلت به، فخرجت أطلب الصلاة في قبائل البصرة، فإذا الناس قد صلوا، فقلت في نفسي: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صلاة الجميع تفضل على صلاة الفذ إحدى وعشرين درجة»، وروي «خمسة وعشرين درجة»، وروي «سبعا وعشرين» فانقلبت إلى منزلي فصليت العتمة سبعا وعشرين مرة، ثم رقدت، فرأيتني مع قوم راكبي أفراس، وأنا راكب فرسا كأفراسهم، ونحن نتجارى، وأفراسهم تسبق فرسي، فجعلت أضربه لألحقهم، فالتفت إلي آخرهم، فقال: لا تجهد فرسك فلست بلاحقنا! قال فقلت: ولم ذاك؟ قال: لأنا صلينا العتمة في جماعة.
الخامسة:
قال أبو نعيم في حلية الأولياء 6/ 183:
حدثنا إبراهيم بن عبدالملك ثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا مروان بن سالم القري ثنا مسعدة بن اليسع بن قيس الباهلي عن سليمان بن أبي محمد ثنا غالب القطان أن أناسا أتوه في قسمة ميراث لهم، فقسمه معهم يومهم أجمع، حتى إذا أمسى آوى إلى فراشه، وقد لغب، فاتكأ على مسجد له، فغلبته عينه، فأتاه المؤذن يثوب، قالت له المرأة: ألا ترى المؤذن ـ يرحمك الله ـ يثوب على رأسك؟!
قال: ويحك ذريني فإنك جاهلة بما لقيت اليوم، قال: فثوب مرارا، والمرأة كل ذلك تبعثه ويقول لها ذلك ذريني حتى انتصف الليل، فقام فصلى، فلم يذكر كم صلى الإمام، ولا عرفه، فأعاد المكتوبة أربعا وعشرين مرة، ثم أخذ مضجعه، فرأى فيما يرى النائم أنه ينطلق من منزله إلى كربجة (1)، فوجد في الطريق أربع دنانير، ومعه كيس فيه ثلاثة أبواب فطرح الدنانير في باب من تلك الأبواب، قال: فلبثت غير كثير فإذا الدنانير ينشدها من يذكر الدنانير الأربعة ـ رحمك الله ـ مرارا، قال: فجعلت أتغامس عنه، ثم دعوته بعد ذلك، فقلت: يا صاحب الدنانير هذه دنانيرك، فذهبت لأفتح الكيس
¥