تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بقارئ، فأخذه حتى رأى الموت ثلاث مرات ثم أوحى إليه، وكان إذا نزل الوحي على رسول الله- r- يتفصد عرقاً في شدة البرد والشتاء، ونزل الوحي وهو على بعير فبرك البعير وكاد أن يموت البعير من شدة ما يجد-عليه الصلاة والسلام-، وهذا بعير وهو تحت النبي- r- فما بالك برسول الأمة- r- ، وكان إذا نزل عليه الوحي كما في الصحيحين من حديث صفوان بن يعلى بن أمية- t وعن أبيه-، أنه يغط كغطيط البكر من شدة ما يجد، فإذا كان تمضي إلى حلق العلم وقد تعبت وسهرت وأضنيت جهدك وأنت تقرأ وتضبط، غداً تخرج إلى الناس بنور وعلم مضبوط وأصل صحيح، وتخرج للناس ويخرجك ربك، لأن الله اطلع على ما كان منك تعب، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} أي والله لنهدينهم سبلنا، متى إذا جاهدوا، والجهاد التعب والاجتهاد وبذل غاية الوسع والطاقة في تحصيل الأمر، فالعلم لا يأتي بالتشهي ولا بالتمني، ولا يأتي بالدعاوى العريضة الشخص يحس أنه كأنه شيخ الإسلام ومفتي الأنام، مغرور بنفسه، لا من يأتي بجد واجتهاد وتعب، قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: ذللت طالباً وعززت مطلوباً، فإذا أكثرت من قراءة العلم وأصبح العلم في ليلك ونهارك وصبحك ومساءك، وأصبحت مسائل العلم هي أشجانك، وهي أفكارك، وهي أحاسيسك ووجدانك، عندها تجد بركة هذا العلم، وتخرج للأمة بعلم صحيح.

ثانياً: بعد أن تصلح ما بينك وبين الله وتضبط العلم بالقراءة، تأتي إلى مجالس العلم معظماً للعلم معظماً للعلماء، من جلس في مجالس العلم يعرف قيمة ماذا يُقال، يقدر كل كلمة، ويبحث عن كل شاردة، ويفرح بكل حكمة، عندها يكون العلم عزيزاً في قلبه، وإذا جلس شارد الذهن يريد أن يقضي الوقت، يريد أن يذهب عنه الوقت، فعندها لا يبالي الله بمن لا يبالي بدينه وشرعه، لابد أن يكون طالب العلم في مجلس العلم يحرص على كل كلمة صغيرة وكبيرة، يبحث عن الحكمة، كان الإمام أبو عبيدة القاسم بن سلام الجحمي-رحمه الله- آية من آيات الله في العلم والعمل، أن نظرت إليه في التفسير فهو حجه في تفسير كتاب الله- U - ، ويستشهد بتفسيره ويعتمد قوله حتى كان رأساً في علم الفقه، فقيها محدثاً في علم الحديث والرواية عن رسول الله- r- ، وفي علم القراءات وفي علم اللغة والشواهد، كان آية من آيات الله-رحمة الله عليه-، هذا العالم الجليل يذكر عن نفسه أنه كان يجد ويتعب وينصب في نهاره حتى يمسي عليه الليل، وهو أشد ما يكون تعباً وإعياً، حتى إذا وجد العالم، فذكر له الحكمة الواحدة، والفائدة الواحدة، يقول: فأبِيت بها مسروراً قد سلا عني ما أجد، يعني جميع التعب والنصب يذهب بهذه الحكمة لأنه يحفظ لأمة محمداً- r- دينها، فالذي يستشعر أنه يتعامل مع هذا العلم لكي ينفع أمة محمد- r- ، ولكي يبلغ الرسالة، ويؤدي الأمانة، ويكون منه الخير، يجد ويجتهد.

كذلك - أيضاً - إذا جلس في مجالس العلم يرتب وضعه، طالب العلم المبتدئ له طريقة، وطالب العلم المتوسط وطالب العلم المتمكن كلً منهم له منهج معين وطريقة معينة، طالب العلم المبتدئ يأخذ القول الراجح ودليله، ولا يدخل في التفصيلات ولا الخلافات، ويفهم العبارات بالشرح المختصر، طالب العلم المتوسط يتوسع، ويعتني بالقول المخالف، دليله الجواب عن الدليل، طالب العلم المتمكن يمحص في هذا كله، ويراجع كل هذا، وإذا أشكل عليه شيء يعرضه ويكتب الأسئلة المفيدة، إذا حضر طالب العلم حرص على أنه يسمع أكثر من أنه يتكلم، لأن الله- U - يبارك لطالب العلم متى ما أنصت للعلم، ومفتاح العلم الإنصات له، ولذلك قال بعض الحكماء يوصي ابنه: يا بني إذا جلست في مجالس العلماء، فلتكن حريصا على السكوت منك على الكلام، فيحرص طالب العلم على أن يكون منصتاً مستفيداً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير