وأن العشر الأخير من رمضان هي أفضل عشْريْه: العشر الأول والعشر الأوسط، وأفضلها العشر الأخير؛ لأنها آخر رمضان، والقاعدة أن أواخر العمل يكون له فضله، ويرجى فيه ما لا يرجى في غيره؛ ولهذا أمر -عليه الصلاة والسلام- بالاجتهاد والدعاء في آخر الصلاة، كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود، قال لما ذكر التشهد: (فإذا فرغ من التشهد ثم ليتخير من المسألة ما شاء) وفي لفظ (فليتخير من المسألة أي ذلك أحبه، أو أعجبه إليه بآخر الصلاة) وهكذا في السجود في آخر الركعة، فإنه يُرجى فيه ما يُرجى (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثر به من الدعاء فقمنٌ -أي: جدير- أن يستجاب لكم) أي حقيق وجدير أن يستجاب لكم.
وهكذا في بعض الأوقات مثل وقت آخر النهار، تجد ساعة الإجابة في يوم الجمعة عند الكثير من أهل العلم أنها آخر يوم ساعة من يوم الجمعة.
وهكذا في العشر الأخير من رمضان؛ ولِما اشتملت عليه من ليلة القدر، على الصحيح أنها في العشر الأواخر، كما سيأتي في الوتر من العشر الأواخر من رمضان.
فكان يجتهد -عليه الصلاة والسلام - فيها الاجتهاد العظيم، وكان يشد مئزره، وهذا اختلف فيه أهل العلم: هل شد المئزر المراد به الاجتهاد والجد في العبادة؟ أو المراد به أنه يعتزل النساء؟.
والأظهر -والله أعلم- أنه يشمل الأمرين، وجاء في بعض الألفاظ , واعتزلَ نساءه - واعتزال النساء أيضًا يدل على أنه كناية ودلالة على الشدة والاجتهاد في باب العبادة.
(وأحيا ليله) ظاهر النص أنه كان يحيي الليل كله، وثبت عن عائشة -رضي الله عنها- في صحيح مسلم: (أنه -عليه الصلاة والسلام- لم يقم ليلة قط) يعني لم يحيِ الليل كله، وهذا هو الغالب عليه وسنته مستقرة، لم يكن يصلي الليل كله، ولكن يصلي ما تيسر في غير رمضان، ورمضان كان يجتهد، وجاء ما يدل على أنه يصلي الليل كله أو غالب الليل، وجاء في عدة أخبار أنه ربما صلى الليل كله في غير رمضان.
وثبت عند النسائي أنه صلى ليلة كاملة -عليه الصلاة والسلام-، وجاء في بعض الأخبار حديث أبي ذر قال: (حتى خشينا فوت الفلاح) أي السحور فهم قاموا مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في بعض الليالي، حتى كان قريبًا من وقت السحر، قريبًا من طلوع الفجر - فهذه تدل على أنه ربما قام الليل كله -عليه الصلاة والسلام-، وخاصة في مثل هذه الأيام.
(وأحيا الليل وأيقظ أهله) كان يوقظ أهله: يوقظ نساءه وبناته -عليه الصلاة والسلام-، ويحث الناس على ذلك؛ لأجل اغتنام هذه الليالي والأيام التي فيها ليلة القدر.
ـ[علي بن حسين فقيهي]ــــــــ[07 - 09 - 06, 12:22 م]ـ
700 - وَعَنْهَا قَالَتْ: {كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى اَلْفَجْرَ, ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وفي هذا أنه كان يدخل معتكفه -عليه الصلاة والسلام- بعد صلاة الفجر، وهو الموضع الخاص باعتكافه، وأنه كان له مكان يحتجره؛ حتى يخلو فيه بربه، ولا ينشغل بالموجودين في المسجد.
فكان يعتكف في هذا الموطن ويجلس فيه -عليه الصلاة والسلام-، وفيه أنه كان يدخل معتكفه إذا صلى الفجر.
وذهب الجمهور إلى أن "من أراد اعتكاف العشر"، أن يدخل قبل غروب الشمس من ليلة إحدى وعشرين، ولا يخرج إلا من طلوع الفجر من ليلة العيد "من يوم العيد".
وقالوا: إن قوله: "كان إذا أراد أن يدخل معتكفه". يعني: معتكفه الخاص. وإلا كان يعتكف قبل ذلك، بمعنى أنه كان يدخل معتكفه قبل ذلك من أول الليل.
بل قالوا: "من آخر النهار، من ليلة إحدى وعشرين". فكان يعتكف، أما دخوله لمكان الاعتكاف، فكان بعد صلاة الفجر، وهذا هو قول الجمهور.
والأظهر -والله أعلم- هو القول الثاني في هذه المسألة، وهو ما دل عليه خبر عائشة -رضي الله عنها-: , أنه كان يدخل معتكفه إذا دخل بعد صلاة الفجر - ولو كان يعتكف قبل ذلك، لعلم وأخبرت به عائشة أو غيرها.
لا شك أن بيان مثل هذا من الأمور الحسنة، بل من الأمور المتعينة من جهة بيان الأمر والحال، وإلا لو كان فيه تفصيل، وأن دخول المعتكف، معنى أنه يدخل مكانا خاصا، وكان اعتكافه قبل ذلك مما يخفى ولا يظهر بهذه الرواية، إلا بنوع تأويل قد لا يكون مقبولاً من ظاهر الخبر.
فلهذا يقال: إن الاعتكاف لا بأس أن يكون بعد طلوع الفجر، وإن دخل قبل طلوع الفجر أو مع الفجر، أو من حين يريد أن يذهب إلى المسجد فلا بأس، بل ربما كلما تقدم كان أولى.
والرسول -عليه الصلاة والسلام- فعل ما فعل؛ ليبين أن مثل هذا لا بأس به، سواء كان الاعتكاف منذورًا، أو كان الاعتكاف تطوعًا.
والرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يعتكف ولم يكن ينذر، وإنما كان يعتكف تطوعًا عليه الصلاة والسلام.
فقوله "أراد". , إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر، ثم دخل المعتكف - هذا واضح؛ لأن الإرادة هي القصد. أي: كأنه إذا قصد الاعتكاف، أو أراد الاعتكاف كان اعتكافه بعد صلاة الفجر.
فعلى هذا لا بأس أن يعتكف بعد صلاة الفجر، فإذا أراد أن يعتكف يومًا، فإنه يبدأ اعتكافه إلى آخر النهار من ذلك اليوم، وإذا أراد مثلا أن يفطر في بيته، وكان أيسر له فلا بأس، وإذا أفطر في مكان اعتكافه في المسجد كله لا بأس، ينظر الأحسن والأولى له
¥