ـ[علي بن حسين فقيهي]ــــــــ[17 - 09 - 06, 07:50 م]ـ
1 - سُئِلَ شيخ الإِسلام ـ رَحمهُ اللّه ـ عن صوم يوم الغَيم: هل هو واجب أم لا؟ وهل هو يوم شك منهي عنه أم لا؟
فأجاب:
وأما صوم يوم الغيم إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قَتَرٌ، فللعلماء فيه عدة أقوال وهي في مذهب أحمد وغيره.
أحدها: أن صومه منهي عنه. ثم هل هو نهى تحريم أو تنزيه؟ على قولين، وهذا هو المشهور في مذهب مالك، والشافعي، وأحمد في إحدي الروايات عنه. واختار ذلك طائفة من أصحابه، كأبي الخطاب وابن عقيل، وأبي القاسم بن منده الأصفهاني وغيرهم.
والقول الثاني: أن صيامه واجب كاختيار القاضي، والخرقي، وغيرهما من أصحاب أحمد، وهذا يقال: إنه أشهر الروايات عن أحمد، لكن الثابت عن أحمد ـ لمن عرف نصوصه، وألفاظه ـ أنه كان يستحب صيام يوم الغَيم اتباعاً لعبد اللّه بن عمر وغيره من الصحابة، ولم يكن عبد اللّه بن عمر يوجبه على الناس، بل كان يفعله احتياطاً، وكان الصحابة فيهم من يصومه احتياطاً، ونقل ذلك عن عمر، وعلي، ومعاوية وأبي هريرة، وابن عمر، وعائشة، وأسماء وغيرهم.
ومنهم من كان لا يصومه مثل كثير من الصحابة، ومنهم من كان ينهى عنه؛ كعمار بن ياسر وغيره، فأحمد ـ رضي اللّه عنه ـ كان يصومه احتياطاً.
وأما إيجاب صومه، فلا أصل له في كلام أحمد، ولا كلام أحد من أصحابه، لكِنْ كثير من أصحابه اعتقدوا أن مذهبه إيجاب صومه، ونصروا ذلك القول.
والقول الثالث: أنه يجوز صومه، ويجوز فطره، وهذا مذهب أبي حنيفة وغيره، وهو مذهب أحمد المنصوص الصريح عنه، وهو مذهب كثير من الصحابة والتابعين أو أكثرهم. (25/ 98)
2 - وأصول الشريعة كلها مستقرة على أن الاحتياط ليس بواجب، ولا محرم، (25/ 100)
3 - تعيين النية لشهر رمضان: هل هو واجب؟ فيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد:
أحدها: أنه لا يجزيه، إلا أن ينوي رمضان، فإن صام بنية مطلقة، أو معلقة، أو بنية النفل أو النذر؛ لم يجزئه ذلك كالمشهور من مذهب الشافعي، وأحمد في إحدي الروايات.
والثاني: يجزئه مطلقاً كمذهب أبي حنيفة.
والثالث: أنه يجزئه بنية مطلقة، لابنية تعيين، غير رمضان، وهذه الرواية الثالثة عن أحمد، وهي اختيار الخرقي، وأبي البركات.
وتحقيق هذه المسألة: أن النية تتبع العلم، فإن علم أن غداً من رمضان، فلابد من التعيين في هذه الصورة، فإن نوي نفلاً أو صوماً مطلقاً لم يجزه؛ لأن اللّه أمره أن يقصد أداء الواجب عليه، وهو شهر رمضان الذي علم وجوبه، فإذا لم يفعل الواجب لم تبرأ ذمته.
وأما إذا كان لا يعلم أن غداً من شهر رمضان، فهنا لا يجب عليه التعيين، ومن أوجب التعيين مع عدم العلم، فقد أوجب الجمع بين الضدين. (25/ 100)
4 - مسألة رؤية بعض البلاد رؤية لجميعها فيها اضطراب، فإنه قد حكي ابن عبد البر الإجماع على أن الاختلاف فيما يمكن اتفاق المطالع فيه، فأما ما كان مثل الأندلس وخراسان فلا خلاف أنه لا يعتبر.
فالضابط أن مدار هذا الأمر على البلوغ؛ لقوله: (صوموا لرؤيته)، فمن بلغه أنه رؤي ثبت في حقه من غير تحديد بمسافة أصلاً، وهذا يطابق ما ذكره ابن عبد البر، في أن طرفي المعمورة لا يبلغ الخبر فيهما إلا بعد شهر، فلا فائدة فيه، بخلاف الأماكن الذي يصل الخبر فيها قبل انسلاخ الشهر، فإنها محل الاعتبار، فتدبر هذه المسائل الأربعة: وجوب الصوم، والإمساك، ووجوب القضاء، ووجوب بناء العيد على تلك الرؤية، ورؤية البعيد، والبلاغ في وقت بعد انقضاء العبادة.
ولهذا قالوا: إذا أخطأ الناس كلهم، فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم اعتباراً بالبلوغ، وإذا أخطأه طائفة منهم لم يجزهم لإمكان البلوغ، فالبلوغ هو المعتبر، سواء كان علم به للبعد، أو للقلة، وهذا الذي ذكرته هو الذي ذكره أصحابنا إلا وجوب القضاء إذا لم يكن مما يمكنهم فيه بلوغ الخبر. فتلخص: أنه من بلغه رؤية الهلال في الوقت الذي يؤدي بتلك الرؤية الصوم، أو الفطر، أو النسك؛ وجب اعتبار ذلك بلا شك، والنصوص وآثار السلف تدل على ذلك.
ومن حدد ذلك بمسافة قصر أو إقليم، فقوله مخالف للعقل والشرع.
ومن لم يبلغه إلا بعد الأداء، وهو مما لا يقضي كالعيد المفعول، والنسك، فهذا لا تأثير له، وعليه الإجماع الذي حكاه ابن عبد البر.
¥