ـ[علي بن حسين فقيهي]ــــــــ[17 - 09 - 06, 07:56 م]ـ
11 - واختلفوا في صوم يوم الغيم، وهو ما إذا حال دون مطلع الهلال غيم، أو قتر، ليلة الثلاثين من شعبان.
فقال قوم: يجب صومه بنية من رمضان احتياطًا، وهذه الرواية عن أحمد، وهي التي اختارها أكثر متأخري أصحابه، وحكوها عن أكثر متقدميهم، بناء على ما تأولوه من الحديث، وبناء على أن الغالب على شعبان هو النقص، فيكون الأظهر طلوع الهلال ـ كما هو الغالب ـ فيجب بغالب الظن.
وقالت طائفة: لا يجوز صومه من رمضان، وهذه رواية عن أحمد اختارها طائفة من أصحابه، كابن عقيل والحلواني، وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي، استدلالاً بما جاء من الأحاديث، وبناء على أن الوجوب لا يثبت بالشك.
وهناك قول ثالث: وهو أنه يجوز صومه من رمضان، ويجوز فطره، والأفضل صومه من وقت الفجر،
وأكثر نصوص أحمد إنما تدل على هذا القول، وأنه كان يستحب صومه ويفعله، لا أنه يوجبه، وإنما أخذ في ذلك بما نقله عن الصحابة في مسائل ابنه عبد الله، والفضل بن زياد القطان، وغيرهم، أخد بما نقله عن عبد الله بن عمر ونحوه.
والمنقول عنهم: أنهم كانوا يصومون في حال الغيم، لا يوجبون الصوم، وكان غالب الناس لا يصومون، ولم ينكروا عليهم الترك.
وإنما لم يستحب الصوم في الصحو، بل نهى عنه؛ لأن الأصل والظاهر عدم الهلال، فصومه تقديم لرمضان بيوم. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
وأما يوم الصحو عنده، فيوم شك أو يقين من شعبان، ينهى عن صومه بلا توقف. وأصول الشريعة أدل على هذا القول منها على غيره، فإن المشكوك في وجوبه ـ كما لو شك في وجوب زكاة، أو كفارة أو صلاة، أو غير ذلك ـ لا يجب فعله ولا يستحب تركه، بل يستحب فعله احتياطًا، فلم تحرم أصول الشريعة الاحتياط، ولم توجب بمجرد الشك. وعلى هذا القول يجتمع غالب المأثور عن الصحابة في هذا الباب، فإن الجماعات الذين صاموا منهم ـ كعمر وعلى ومعاوية وغيرهم ـ لم يصرحوا بالوجوب، وغالب الذين أفطروا لم يصرحوا بالتحريم. ولعل من كره الصوم منهم إنما كرهه لمن يعتقد وجوبه خشية إيجاب ما ليس بواجب، كما كره من كره منهم الاستنجاء بالماء لمن خيف عليه أن يعتقد وجوبه، وكما أمر طائفة منهم من صام في السفر أن يقضي؛ لما ظنوه به من كراهة الفطر في السفر، فتكون الكراهة عائدة إلى حال الفاعل، لا إلى نفس الاحتياط بالصوم، فإن تحريم الصوم أو إيجابه كلاهما فيه بُعْدٌ عن أصول الشريعة.
والأحاديث المأثورة في الباب إذا تؤملت إنما يصرح غالبها بوجوب الصوم بعد إكمال العدة، كما دل بعضها على الفعل قبل الإكمال، أما الإيجاب قبل الإكمال للصوم ففيهما نظر.
فهذا القول المتوسط هو الذي يدل عليه غالب نصوص أحمد. (25/ 122)
12 - نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج أو العدة أو الإيلاء أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب أنه يري أو لا يري لا يجوز. والنصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كثيرة، وقد أجمع المسلمون عليه، ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلاً، ولا خلاف حديث؛ إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غم الهلال؛ جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب، فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا. وهذا القول وإن كان مقيدًا بالإغمام ومختصًا بالحاسب فهو شاذ، مسبوق بالإجماع على خلافه، فأما اتباع ذلك في الصحو، أو تعليق عموم الحكم العام به فما قاله مسلم.
وقد يقارب هذا قول من يقول من الإسماعيلية بالعدد دون الهلال، وبعضهم يروي عن جعفر الصادق جدولاً يعمل عليه، وهو الذي افتراه عليه عبد الله بن معاوية، وهذه الأقوال خارجة عن دين الإسلام، وقد برأ الله منها جعفرًا وغيره، ولا ريب أن أحدًا لا يمكنه مع ظهور دين الإسلام أن يظهر الاستناد إلى ذلك، (25/ 133)
¥