ـ[علي بن حسين فقيهي]ــــــــ[18 - 09 - 06, 05:35 م]ـ
31 - السفر الذي تقصر فيه الصلاة، فإنه يجوز فيه الفطر مع القضاء باتفاق الأئمة، ويجوز الفطر للمسافر باتفاق الأمة، سواء كان قادرًا على الصيام، أو عاجزًا، وسواء شق عليه الصوم، أو لم يشق، بحيث لو كان مسافرًا في الظل والماء ومعه من يخدمه جاز له الفطر والقصر.
ومن قال: إن الفطر لا يجوز إلا لمن عجز عن الصيام، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وكذلك من أنكر على المفطر، فإنه يستتاب من ذلك.
ومن قال: إن المفطر عليه إثم، فإنه يستتاب من ذلك، فإن هذه الأحوال خلاف كتاب الله وخلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلاف إجماع الأمة. (25/ 208)
32 - ولم تتنازع الأمة في جواز الفطر للمسافر، بل تنازعوا في جواز الصيام للمسافر، فذهب طائفة من السلف والخلف إلى أن الصائم في السفر كالمفطر في الحضر، وأنه إذا صام لم يجزه، بل عليه أن يقضي، ويروي هذا عن عبد الرحمن بن عوف، وأبي هريرة وغيرهما من السلف، وهو مذهب أهل الظاهر. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس من البر الصوم في السفر). لكن مذهب الأئمة الأربعة أنه يجوز للمسافر أن يصوم وأن يفطر، (25/ 210)
33 - وإذا سافر في أثناء يوم، فهل يجوز له الفطر؟ على قولين مشهورين للعلماء، هما روايتان عن أحمد. أظهرهما: أنه يجوز ذلك، كما ثبت في السنن: أن من الصحابة من كان يفطر إذا خرج من يومه، ويذكر أن ذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نوي الصوم في السفر، ثم إنه دعا بماء فأفطر، والناس ينظرون إليه.
وأما اليوم الثاني، فيفطر فيه بلا ريب، وإن كان مقدار سفره يومين في مذهب جمهور الأئمة والأمة. (25/ 212)
34 - وَسُئِل شيخ الإسلام ما يقول سيدنا في صائم رمضان: هل يفتقر كل يوم إلى نية أم لا؟
فأجاب: كل من علم أن غدًا من رمضان، وهو يريد صومه فقد نوي صومه، سواء تلفظ بالنية أو لم يتلفظ. وهذا فعل عامة المسلمين، كلهم ينوي بالصيام. (25/ 215)
35 - وَسُئِل عما إذا أكل بعد أذان الصبح في رمضان: ماذا يكون؟
فأجاب:
الحمد لله، أما إذا كان المؤذن يؤذن قبل طلوع الفجر ـ كما كان بلال يؤذن قبل طلوع الفجر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكما يؤذن المؤذنون في دمشق وغيرها قبل طلوع الفجر ـ فلا بأس بالأكل والشرب بعد ذلك بزمن يسير.
وإن شك: هل طلع الفجر أو لم يطلع؟ فله أن يأكل ويشرب حتي يتبين الطلوع، ولو علم بعد ذلك أنه أكل بعد طلوع الفجر، ففي وجوب القضاء نزاع.
والأظهر: أنه لا قضاء عليه، وهو الثابت عن عمر، وقال به طائفة من السلف والخلف، والقضاء هو المشهور في مذهب الفقهاء الأربعة. والله أعلم. (25/ 216)
36 - فيما يفطر الصَّائم ومَا لا يفطره
وهذا نوعان: منه ما يفطر بالنص والإجماع، وهو الأكل والشرب، والجماع،
وكذلك ثبت بالسنة واتفاق المسلمين: أن دم الحيض ينافي الصوم، فلا تصوم الحائض، لكن تقضي الصيام.
وثبت بالسنة ـ أيضًا ـ من حديث لَقِيط بن صَبْرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا)، فدل على أن إنزال الماء من الأنف يفطر الصائم، وهو قول جماهير العلماء. (25/ 219)
37 - ومن احتلم بغير اخيتاره ـ كالنائم ـ لم يفطر باتفاق الناس.
وأما من استمني فأنزل، فإنه يفطر، ولفظ الاحتلام إنما يطلق على من احتلم في منامه. (25/ 224)
38 - وأما أمره للمجامع بالقضاء فضعيف، ضعفه غير واحد من الحفاظ، وقد ثبت هذا الحديث من غير وجه في الصحيحين من حديث أبي هريرة ومن حديث عائشة، ولم يذكر أحد أمره بالقضاء، ولو كان أمره بذلك لما أهمله هؤلاء كلهم وهو حكم شرعي يجب بيانه، ولما لم يأمره به دل على أن القضاء لم يبق مقبولاً منه، وهذا يدل على أنه كان متعمدًا للفطر لم يكن ناسيا ولا جاهلاً. ((25/ 225)
39 - والمجامع الناسي فيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره، ويذكر ثلاث روايات عنه:
إحداها: لا قضاء عليه ولا كفارة، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة والأكثرين.
والثانية: عليه القضاء بلا كفارة، وهو قول مالك.
والثالثة: عليه الأمران، وهو المشهور عن أحمد.
والأول أظهر ـ كما قد بسط في موضعه ـ فإنه قد ثبت بدلالة الكتاب والسنة: أن من فعل محظورًا مخطئًا أو ناسيا لم يؤاخذه الله بذلك،
(25/ 226)
40 - ثبت في صحيح البخاري، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: أفطرنا يومًا من رمضان في غيم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم طلعت الشمس. وهذا يدل على شيئين: على أنه لا يستحب مع الغيم التأخير إلى أن يتيقن الغروب؛ فإنهم لم يفعلوا ذلك ولم يأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة مع نبيهم أعلم وأطوع لله ولرسوله ممن جاء بعدهم. والثاني: لا يجب القضاء؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لو أمرهم بالقضاء لشاع ذلك كما نقل فطرهم، فلما لم ينقل ذلك دل على أنه لم يأمرهم به.
فإن قيل: فقد قيل لهشام بن عروة: أمروا بالقضاء؟ قال: أو بُد من القضاء؟
قيل: هشام قال ذلك برأيه، لم يرو ذلك في الحديث، ويدل على أنه لم يكن عنده بذلك علم: أن معمرًا روي عنه قال: سمعت هشامًا قال: لا أدري أقضوا أم لا؟ ذكر هذا وهذا عنه البخاري، والحديث رواه عن أمه فاطمة بنت المنذر عن أسماء.
وقد نقل هشام عن أبيه عروة: أنهم لم يؤمروا بالقضاء، وعروة أعلم من ابنه، (25/ 231)
¥