ومنها: حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي ? قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ... ) وجهه: أنه دل على أن الله عز وجل يجمع الخلق في الأربعين وفيها يبتدئ التخليق والتصوير إلا أنه تخليقا وتصويراً خفيا.
والأطباء يجمعون على القول بما ورد في هذا الحديث، وهذا من آيات النبي ? فإذا كان التخليق والتصوير وإن كان خفيا يكون في مدة الأربعين فإنه لا يجوز الاعتداء عليه وانتهاك حرمته.
ومنها: أن إقامة الحد والقصاص واجب، وإذا ثبت أن هذه المرأة حامل فإنه لا يجوز إقامة الحد والقصاص عليها حتى تضع ما في بطنها ولو كان نطفة، فأُخر الحد الواجب والقصاص الواجب من أجل هذه النطفة، ولا يؤخر الواجب إلا لشيء محترم لا يجوز انتهاكه.
ومنها: وهو من أقوى أدلتهم ما ذكره الأطباء في الوقت الحاضر من أن أدق مراحل خلق الإنسان هي مرحلة النطفة ففيها يبدأ تكوين الجنين وفيها تنتقل الموروثات والطبائع والصفات الخلقية، والحمل يتأثر في هذه المرحلة ما لا يتأثر في المراحل التي تليها، فإذا كانت هذه أدق مرحلة وفيها تتجلى عظمة الله عز وجل وإجلاله فكيف يجوز الاعتداء وانتهاك هذه الحرمة، مع أن في انتهاك هذه الحرمة مصادمة لما جاءت به الشريعة مما سلف أن ذكرنا من حفظ الضروريات و المصادمة لأهم مقاصد النكاح.
القول الثاني: أنه جائز ولا بأس به.
قال به أكثر أهل العلم من الحنفية والشافعية والحنابلة.
أدلتهم:
منها: قوله تعالى:?يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة? () وجهه من قوله:?مخلقة وغير مخلقة? فدل ذلك على أن التخليق لا يكون إلا في مرحلة المضغة فمرحلة النطفة لا تخليق فيها، فإذا لم يكن فيها تخليق فلا حرمة لها ويجوز انتهاكها.
وأجيب عنه: بأن الآية لا يستلزم منها عدم وجود التخليق قبل المضغة في حال النطفة بل التخليق موجود لأن التخليق الذي دلت عليه النصوص ينقسم إلى قسمين:
الأول: تخليق خفي وهذا دل عليه حديث ابن مسعود كما شهد له الأطباء.
الثاني: تخليق ظاهر وهو الذي دلت عليه الآية.
ومنها: حديث جابر "كنا نعزل والقرآن ينزل" فالنبي ? أقرهم على العزل فدل ذلك على أن النطفة لا حرمة لها.
وأجيب: بالفرق بين الحالين فالعزل لم تستقر فيه النطفة في الرحم ولم يحصل لها تكوين أو تخليق بخلاف حال النطفة في الرحم فإنها مستقرة فيه في مكان مكين كما قال تعالى:?ألم نخلقكم من ماء مهين ? فجعلناه في قرار مكين? () فإذا كانت في قرار مكين يعني؛ في مكان حافظ لما أودع فيه فإنه لا يجوز انتهاك هذا المكان المكين الذي حفظت فيه هذه النطفة. ففرق بين مسألة العزل ومسألة استقرار النطفة في الرحم.
والقاعدة: أن الدفع أهون من الرفع. فدفع النطفة والعزل أهون من إخراجها من مكانها الذي أودعت فيه.
ومنها: قولهم: إن الجنين في حال النطفة لم تخلق وإذا كان كذلك فإنه لا يبعث يوم القيامة، فإذا كان لا يبعث فإنه لا حرمة له فيجوز انتهاكه وإسقاطه.
وأجيب: بأن هذا استدلال بمحل النزاع، ونظر في مواجهة الأثر.
الترجيح:
على هذا يكون الأقرب في مثل هذه المسألة أنه لا يجوز إسقاط النطفة بغرض التخلص من الحمل أو خشية نفقات الولد أو تربيته أو التخفف من الأولاد ونحو ذلك.
وقد توصلت ندوة الأبحاث التي عقدت في الكويت عام 1403هـ إلى أنه لا يجوز إجهاض النطفة؛ لما سبق أن ذكر من الأدلة إلا في حال الضرورة القصوى.
وكذلك فتوى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية عام 1407هـ: أن النطفة لا يجوز إجهاضها إلا إذا خشي على سلامة الأم كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ـ[عبدالله الميمان]ــــــــ[26 - 08 - 06, 07:07 ص]ـ
كنت سأكتب هذه المشاركة سابقا، لكن خشيت أن أحدث بلبلة في ذهن السائل، فقلت نكتفي بجواب الشيخ عبدالرحمن وفقه الله.
القول بالتحريم هو اختيار شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله في آخر حياته (لا أدري هل له قول بخلافه من قبل أو لا) فقد قرر هذا في شرح الأربعين النووية في شرح حديث ابن مسعود (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه ... ] الحديث.
ومن المعلوم أن شرح الأربعين النووية من آخر ما شرحه الشيخ رحمه الله فقد شرحه في إجازة صيف عام 1421 وهي السنة التي توفي فيها رحمه الله رحمة واسعة.
وجزاك الله خيرا ياشيخنا عبدالرحمن السديس على فوائدك الغزيرة في هذا الملتقى.
وأود أن أستفسر عما نقلته عن الشيخ خالد المشيقح وفقه الله، هل هو في كتاب أو مذكرة؟
وجزاك الله خيرا
ـ[أبو محمد سيف]ــــــــ[26 - 08 - 06, 08:01 ص]ـ
السلام عليكم:
شيخي الفاضل حفظه الله (عبد الرحمن السديس)
مقصودي بالأصل: أن الحكم الشرعي عدم الجواز إلا في حدود ضيقة جدا.
ثم مثلت على الاستثناءات.
وأما ما زدته من الجواب فأحببت أن أتسنن بفعله صلى الله عليه وسلم عندما زاد السائل:الحل ميتته قال العلماء: من حسن إجابة العالم - ولست من العلماء لكن أرجو أن أحشر معهم - أن يزيد في جواب السائل دون أن يمله فعذرا.
¥