(قلت: قطع عضو من الجسد؟؟
قال: لا بأس أن يعيده مكانه، وذاك أن فيه الروح، مثل الأذن تقطع فيعيدها بطرائها). اهـ.
ومنه أيضاً عن أبيه: (الأسنان تسقط فيضع فيها من كبر سنه سن الغنم لا بأس به، فسنه يعيدها من الرأس لا بأس به، يكره سن غيره). اهـ. وفقهاء المذهب يذكرون هذه الرواية في (باب اجتناب النجاسة) من كتب الفقه في المذهب كما في: الروايتين والوجهين لأبي يعلى 1/ 202، والإنصاف 1/ 489، وكشاف القناع 1/ 34، وشرح منتهى الإرادات 1/ 155 .. وغيرها.
مبينين: هل هذا العضو المعاد طاهر تصح الصلاة به لأنه جزء من جملته فحكمه حكمه؟
ومنهم من يذكر رواية أخرى عن الإمام أحمد – رحمه اله تعالى – بالمنع من الإعادة السن نفسه لأنها نجسة.
لكن هذا التفريع الفقهي ظاهره فيما سقط من الإنسان أو قطع منه في غير حد أو قصاص شرعي. وهذا ليس مما هنا.
وعليه: فإن النظر في حكم إعادة عضو قطع في حد أو قصاص شرعي يصار فيه إلى القواعد الشرعية وبالتأمل يظهر تحريم إعادة عضو قطع بحد أو قصاص لأمور:
* الأول: في هذا استدراك على الشارع في حكمه وهذا أمر لا يجوز أصلاً.
* الثاني؟ بدن الإنسان، وإن جرى الخلاف هل هو ملك له؟ أم ملك الله تعالى؟
أم مشترك فيه حق الله وحق لعبده؟. فإن الذي استقرت عليه كلمة التحقيق اجتماع الحقين، حق الله في الاستعباد، وحق العبد في الاستعمال والانتفاع في حدود الشرع. لكن هذا العضو المقطوع بحد تمحض حقاً الله تعالى والمقطوع بقصاص تمحض حق الله تعالى وحقاً لعبد آخر وبهذا:
ارتفعت حقوق المقطوع منه عن ذلك العضو شرعاً.
* الثالث: الحياة مخالطة للبدن، وحياة كل عضو بحسبه فالشرع حين حكم
بقطع اليد حداً في السرقة {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} الآية. فهذا الحكم بالقطع لها شامل لجرمها وحياتها فصلاً لها عن البدن على التأبيد.
وعليه: فإن إعادتها فيه افتيات على الشرع في حكمه.
* الرابع: جاء النص عن النبي صلى الله عليه وسلم بحسم يد السارق بعد قطعها كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اذهبوا به فاقطعوه ثم احسموه)).
والحسم لأجل سد منافذ الدم حتى لا يؤدي إلى تلف النفس، فرتب النبي صلى الله عليه وسلم الحسم على القطع، ولدى علماء الأصول: (أن السكوت في مقام البيان يفيد الحصر).
وعليه: فليس ثمة بعد القطع إلا الحسم فحسب، ولذا فإن إعادة العضو استدراك على الشرع من هذا الوجه.
* الخامس: ثبت من حديث فضالة - رضي الله عنه - ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسارق فقطعت يده، ثم أمر بها فعلقت في عنقه)) رواه أصحاب السنن وغيرهم.
فتعليق اليد في عنق السارق حكم شرعي من العقوبة الحدية والقول بإعادتها فيه تفويت لاستكمال الحد وتمامه.
* السادس: في خصوص القصاص فإنه حياة للأمة، وعدل في مماثلة العقاب، وشفاء للبدن الموتور بفوات عضو منه عدواناً، ففي إعادة العضو المقطوع قصاصاً تفويت لهذه المعاني، وفي إعادة العضو المقطوع بحد إعادة لحياته وقد أهدر استقرار حياة الأمة، ففي هذا نقص فيم الجزاء والنكال، والله يقول في حق السارق والسارقة: {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ}.
وفي حق العقوبات: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}.
وفي خصوص القصاص: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}.
فإذا أعيد العضو المقطوع بقصاص لم تكن العقوبة مثلية على الدوام.
تنبيه:
وبما أن الحدود الإتلافية شرعاً لا تطبق في العالم الإسلامي إلا ما ندر كالمملكة العربية السعودية فأرى عدم بحث هذا الموضوع لأنه فرع عن أصله وأصله لا يقام شرعاً في كل العالم الإسلامي، فليطو البحث فيه ولا ينبغي تمييع الأحكام الشرعية والوثبة عليها من كل جانب.
وإن كنا نحسن الظن - ولله الحمد - في مثل هذا البحث لكنه والحال ما ذكر يكون من باب الفقه التقديري وبلسان العصر (الترف العلمي) ... فلنبذل الجهد فيما له صفة العموم في العالم الإسلامي.
والله الموفق والمعين.
بكر بن عبد الله أبو زيد
منقول من قرص مجلة المجمع الفقهي، وفيها أبحاث متعددة حول هذه المسألة.
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[01 - 10 - 06, 12:09 ص]ـ
بارك الله فيكم ونفع بكم
وبما أن الحدود الإتلافية شرعاً لا تطبق في العالم الإسلامي إلا ما ندر كالمملكة العربية السعودية فأرى عدم بحث هذا الموضوع لأنه فرع عن أصله وأصله لا يقام شرعاً في كل العالم الإسلامي، فليطو البحث فيه ولا ينبغي تمييع الأحكام الشرعية والوثبة عليها من كل جانب ..
لله دره!
ـ[حارث همام]ــــــــ[01 - 10 - 06, 04:27 م]ـ
شكر الله لكم رأيت فتوى الدكتور حفظه الله أول ما خرجت فتأسفت على صدورها من مثله ولاسيما بنحو الألفاظ التي علق عليها الشيخ عبدالرحمن السديس جزاه الله خيراً.
ـ[راشد]ــــــــ[03 - 10 - 06, 03:30 م]ـ
قد يلجأ مقطوع اليد إلى تركيب يد اصطناعية، فما المانع؟؟
ولو قيل بالمنع، سيسافر إلى بلاد أجنبية ويجري العملية.
¥