تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فمن ذلك: قوله تعالى: ? إنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا ? فالحق هو اليقين والظن هو الشك فعاب الله جل وعلا على من اتبع الظنون الكاذبة وترك الحق الثابت بالدليل الواضح.

ومن ذلك: قوله ?: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثًا أم أربعًا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن) الحديث، وهو نص في القاعدة فقد أمر بإطراح الشك والبناء على اليقين وهو معنى قولنا: (اليقين لا يزول بالشك).

ومنه: قوله ? في حديث عبد الله بن زيد عند الشيخين: أنه شكى إلى الرسول ? الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: (لا ينصرف أو لا ينفتل حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) أي فيبقى على يقين الطهارة حتى يتأكد من خروج الريح الناقضة للوضوء وهو نص في هذه القاعدة.

ومن ذلك: حديث أبي هريرة عند مسلم، وعن ابن عباس نحوه عند البزار وكذا للحاكم عن أبي سعيد وغير ذلك كثير، بل والاعتبار الصحيح يقتضي ذلك كما ذكرنا أن الضعيف لا يقوى على رفع القوي؛ لأن ما تيقن ثبوته بدليل أو استصحاب حال، أقوى مما شك فيه أهو ثابت أم لا؟ فإذا سئلت عن سؤال فيه تجاذب بين شيء متيقن وشيء مشكوك فيه، فاعرف أنه داخل تحت هذه القاعدة فأسقط الشك واحكم باليقين، ثم اعلم أن قاعدة الأصول في الأشياء داخلة تحت هذه القاعدة الكبرى، كما سيأتي - إن شاء الله تعالى -.

فإن قلت: إذا كان الشك لا يرفع اليقين فهل يرتفع اليقين بيقين مثله؟

قلت: نعم، إن اليقين لا يزول بالشك لكن يزول بيقين مثله، وغلبة الظن منزلة منزلة اليقين، وعلى ذلك قوله ?: (فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) أي حتى يأتي يقين آخر أي يقين الحدث ليرفع يقين الطهارة وإلا فهو باقٍ على طهارته ولا مزيد على هذا لكن نضرب بعض الفروع حتى يتضح التطبيق عليها:

فمنها: إذا سئلت عن رجلٍ توضأ للعصر ثم دخل وقت المغرب وأراد أن يصليها فشك هل أحدث أو لا؟ فقل: أنت تيقنت الطهارة الذي هو وضوء العصر، وشككت في الحدث، فأنت على ما تيقنته وهو الطهارة؛ لأن اليقين لا يزول بالشك.

ومنها: شك رجل هل صلى الفجر أو لا؟ فقل: إن اليقين هو أنك لم تصل؛ لأن الأصل عدم الصلاة والشك حصل في وجودها فنبقى على الأصل الذي هو عدم الصلاة واليقين لا يزول بالشك فعليك أن تصلي الآن.

ومنها: رجل أكل شاكًا في طلوع الفجر فإذا هو قد طلع، فقل له: إن اليقين هو بقاء الليل وطلوع الفجر مشكوك فيه واليقين لا يزول بالشك فالأصل بقاء الليل فصيامك صحيح لأنك عملت باليقين (1).

ومنها: رجل تيقن النكاح وشك في الطلاق، فنقول: اليقين هو النكاح والمشكوك فيه هو الطلاق، فأنت على نكاحك؛ لأن اليقين لا يزول بالشك.

ومنها: شك إنسانٌ هل صلى ثلاثًا أم أربعًا؟ فنقول: اليقين هو أنك صليت ثلاثًا والركعة الرابعة مشكوك فيها والأصل عدمها فعليك أن تجعلها ثلاثًا وتسجد للسهو قبل السلام (2) وعلى ذلك دل حديث أبي سعيد عند مسلم.

ومنها: طاف وشك هل طاف سبعًا أو ستًا فاليقين أنه طاف ستًا والسابع مشكوك فيه فيزيد واحدًا، والقول الجامع في هذا هو أن كل شيء الأصل عدمه وشك في فعله فيحكم بعدم الفعل (3)، وكل شيء الأصل ثبوته وشك في عدمه فالأصل بقاؤه. وعلى ذلك فقس، والله تعالى أعلى وأعلم.


(1) هذا هو الراجح خلافاً للمشهور من المذهب.
(2) إلا إذا كان عنده غلبة ظن فليتحرى ويعمل بغلبة ظنه كما في حديث ابن مسعود وهو في الصحيح راجع الشرح الممتع وفتاوى شيخ الإسلام وبهذا القول تجتمع الأحاديث.
(3) يقال في الطواف مثل ما قيل في المثال السابق.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير