وإنما هذا لفظ رواية مسلم التي يدور حولها البحث، ولهذا فإني قدمتها في كلامي على رواية البخاري، ولم أعزها إليه؛ لأن البحث إنما يدور حولها، بخلاف رواية البخاري وأما علي حسن، فظن أنً الروايتين للبخاري، فأراد أن يغير بعض الشيء بتقديم ما أخرته وتأخير ما قدمته، ليوهم القارئ أنه لم يأخذ مني، وإنما أخذَ من الأصول فإذا به يقع في أشد مما هرب منه.
ثم إنّ الأخ على حسن، قد تعرض قبل ذلك في كتابه للرد على المعترض في كلامه حول هذا الحديث، فقال بعد أن ساق شبهات المعترض (ص 132):
" ولإجمال الرد على كلامه أقول: ..... "
ثم ذكر بعض الأوجه التي ذكرتها في ردي على المعترض، وأخّر هذا الوجه السابق ذكره، فجعله في آخر الكتاب، مع أنه من جملة الرد على كلام المعترض، فلا أدري لماذا فرق بحثي في كتابه هكذا؟!
والناظر فيما كتبه هو في كتابه (ص 132 - 133)، مع مقارنته بما كتبته أنا في كتابي (ص 107 - 108) لا يتردد في أنّه مأخوذ منه، فأدعو شيخنا الفاضل إلى تلك المقارنة، وليحكم بما يراه.
ومنها:
روى أبو خيثمة زهير بن معاوية، عن أبي الزبير، عن جابر حديثاً مرفوعاً، فذكر المعترض (ص 103) متابعة لأبي الزبير، من رواية على بن زيد بن جدعان، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، به.
فتعقبت المعترض بأن على بن جدعان ضعيف، وقد خالف في الرواية، وفسرت المخالفة بقولي (ص 165):
{لأن جدعان ضعيف عندك، وقد تفرد بهاذا الإسناد فقال: " عن محمد بن المنكدر، عن جابر " ولم يتابعه أحد على ذلك، بل قد خالفه زهير بن معاوية هنا وهو الثقة الثبت فقال: " عن أبي الزبير، عن جابر ". وبهذا يتعين الحكم على رواية ابن جدعان بالنكارة من وجهين. الأول: التفرد لأنه ضعيف. والثاني: المخالفة للثقة.
وأما قولك: " لكنه يصلح للشواهد والمتابعات "
فليس محله هنا لأنه لم يتابع بل خالف، ولا يصلح للشواهد، ما ثبت شذوذه فضلاً عن نكارته كما لا يخفى عليك!!} انتهى كلامه.
فجاء على حسن فتعقب المعترض بمثل ماتعقبته به، فقال (ص 256 - 257):
{قلت: كذا! سمى هذه الرواية (متابعة)!! مع أنها (مخالفة) كما هو ظاهر لكل ذي بصر! فهل يقارن ابن جدعان بمثل أبي خيثمة؟ إذ قد خالفه بذكر تابعي الحديث، فجعله ابن جدعان محمد بن المنكدر، بينما هو أبو الزبير - كما في رواية أبي خيثمة عنه.
وعليه؛ فقول محمود سعيد في ابن جدعان: " ... لكنه يصلح للشواهد والمتابعات " لا يسوى سماعه في هذا المقام، لأنه خالف وما تابع!!} انتهى كلام الأخ علي حسن.
ولست أنكر إمكانية التتابع والتوارد على مثل هذا، ولكن من يعرف الأخ علي حسن، ويقرأ له، يعلم أن مثل هذا النقد والإعلال للأسانيد لا يعرف في بحوثه الحديثية، وأقواله النقدية.
فهو لا يكاد في بحوثه يعل إسناداً بإسناد إلا إذا كانا قد اتحدا في المخرج، بمعنى أن يقع الخلاف في هذين الإسنادين على رجل واحدٍ، إما إعلال الإسناد لكون التابعي أو من دونه قد تغير في إسناد آخر فهذا من أنواع الإعلال الدقيقة والتي لا نعرفها في بحوث الأخ على حسن.
بل لا أخفي سراً، إذا قلت: أن هذا النوع من الإعلال لا نكاد نعرفه في بحوث من المتأخرين، وأكثر المعاصرين.
ولما وقف بعض أساتذتي على هذا الإعلال في هذا الموضع من كتابي خالفني فيه، فلما أتيت له بالأمثلة على ذلك من كلام المتقدمين من الأئمة سلم وسكت.
وقد كتبتُ في ذلك بحثاً، وزدت فيه من الأمثلة ما يسر الله تعالى، وأودعته كتابي بعضها ببعض ولا يعل بعضها ببعض كما فعل هنا.
ومن أمثلة ذلك في بحوثه: حديث أسماء في كشف الوجه والكفين، حيث كتب في تقوية هذا الحديث رسالة أسماها: " تنوير العينين ... " وهي مطبوعة وذهب فيها إلى تقوية الحديث باجتماع ثلاثة أسانيد:
الأول: مارواه الوليدُ بن مسلم، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن خالد بن دريك، عن عائشة مرفوعاً.
الثاني: مارواه هشام الدستوالي، عن قتادة مرفوعاً مرسلاً.
الثالث: مارواه ابن لهيعة، عن عياض الفهري، عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، عن أسماء بنت عميس مرفوعاً.
ولم يعل الأول بالثاني مع أن مخرجهما واحد، وقد ذكر هو للإسناد الأول أربع علل، ومع ذلك قال (ص 38):
¥