التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِى عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِى يَجْرِى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ فِى الْغَنِيمَةِ وَالْفَىْءِ شَىْءٌ إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلاَ تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَلاَ ذِمَّةَ نَبِيِّهِ وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلاَ تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِى أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لاَ».
فذكر النبي صلى الله عليه و سلم في هذا الحديث إما الإسلام أو الجزية فإن أبوا فالقتال و الدعوة إلى الإسلام هنا على سبيل التخيير لا على سبيل الإكراه لأنه لو كان على سبيل الإكراه لما انتقل للجزية ثم إن هذه الدعوة للإسلام قبل الأسر لا بعد الأسر.
و أما حديث أسامة رضي الله عنه - يَقُولُ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْحُرَقَةِ، فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلاً مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. فَكَفَّ الأَنْصَارِىُّ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِى حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ «يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ» قُلْتُ كَانَ مُتَعَوِّذًا. فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّى لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
فهذا فيمن أسلم في حال القتال قبل الأسر.
ـ[عبد الرحمن بن طلاع المخلف]ــــــــ[30 - 08 - 06, 12:46 م]ـ
و التعليل في عدم ترتب الأحكام على المكره من الردة و ما يترتب عليها من استحلال الدم و المال و غيرها من الأحكام هو تخلف إرادة المكره لقول الكفر لوجود الإكراه فالإكراه يمنع وجود الإرادة و هذه العلة موجودة كذلك في الإكراه على الإسلام فلو أكره أحدهم على الإسلام نعلما ظاهرا بأنه لم يرد الإسلام و إنما أكره عليه كما أن من أكره على الكفر نعلم بأنه لم يرد الكفر و إنما أكره عليه و هذه العلة تتحقق طردا و عكسا في الكفر و الإسلام بل و في غير ذلك كالإكراه على الزنا أو الطلاق أو الزواج و غيرها من الأحكام إلا القتل بإجماع العلماء و استثنى أهل العلم القتل لا لأنه مختار و لكنه تعارض عنده قتل نفسه و قتل غيره فلا يجوز له تقديم نفسه على غيره فإن كان مكرها على قتل نفسه و قتل غيره رجع إلى أصل الحكم و هو أنه لا يجوز له قتل المسلم و الحال هنا كأنه غير مكره.
فكما أن من نطق بالكفر مكرها لا تترتب عليه أحكام الكفر و أنه لو قالها مختارا لترتبت عليها أحكام الردة فتتغير الأحكام باختلاف الأحوال فكذلك في فيمن نطق بالإسلام في حال الإكراه فإن الأحكام تختلف في حال الإكراه و غيره فإن هذا المكره على الإسلام لو أنه نطق بالإسلام مكرها و حكمنا له بالإسلام و هو مكره لو أنه أظهر بعد ذلك أنه مكره و أن لم يرد الإسلام على الحقيقة فلو اعتبرناه في هذه الحال مرتدا لتغيرت الأحكام فيما لو اعتبرناه كافرا أصليا فأحكام الكافر المرتد أغلظ من أحكام الكافر الأصلي بإجماع العلماء قال شيخ الإسلام رحمه الله (وطائفة كانت مسلمة فارتدت عن الإسلام، وانقلبت على عقبيها: من العرب، والفرس، والروم، وغيرهم. وهؤلاء أعظم جرمًا عند الله وعند رسوله والمؤمنين من الكافر الأصلى من وجوه كثيرة. فإن هؤلاء يجب قتلهم حتمًا ما لم يرجعوا إلى ما خرجوا عنه، لا يجوز أن يعقد لهم ذمة، ولا هدنة، ولا أمان، ولا يطلق أسيرهم، ولا يفادي بمال ولا رجال، ولا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم، ولا يسترقون، مع بقائهم على الردة بالاتفاق. ويقتل من قاتل منهم، ومن لم يقاتل؛ كالشيخ الهرم، والأعمي، والزمن، باتفاق العلماء. وكذا نساؤهم عند الجمهور.
والكافر الأصلى يجوز أن يعقد له أمان وهدنة، ويجوز المن عليه والمفاداة به إذا كان أسيرًا عند الجمهور، ويجوز إذا كان كتابياً أن يعقد له ذمة، ويؤكل طعامهم، وتنكح نساؤهم، ولا تقتل نساؤهم إلا أن يقاتلن بقول أو عمل، باتفاق العلماء. وكذلك لا يقتل منهم إلا من كان من أهل القتال عند جمهور العلماء، كما دلت عليه السنة.
فالكافر المرتد أسوأ حالاً في الدين والدنيا من الكافر المستمر على كفره ..... ).
و لو حكمنا لمن أكره على الإسلام بالردة بعد إظهار أنه لم يرد الإسلام و إنما اكره للزمنا أن نحكم عليه بأحكام المرتدين مع علمنا يقينا بأن أكره على الإسلام و هذا فيه مخالفة لشرع الله تعالى و ظلم له و تنزيل لأحكام في غير محلها.
و لو طردنا هذه العلة للزمنا الحكم على من أظهر الردة من المسلمين مكرها بالكفر و إنزال عليه أحكام الردة.