يلي: [نفقة الزوجة تشمل الطعام والكسوة والسكنى والتطبيب بالقدر المعروف ... ].
ويحتج لهذا القول بالعمومات الواردة كما في قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} سورة النساء الآية 19.
قال الإمام القرطبي: [قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي على ما أمر الله به من حسن المعاشرة والخطاب للجميع إذ لكل أحد عِشْرَةٌ - زوجاً كان أو ولياً ولكن المراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج وهو مثل قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} وذلك توفية حقها من المهر والنفقة وألا يعبس في وجهها بغير ذنب وأن يكون منطلقاً في القول لا فظاً ولا غليظاً ولا مظهراً ميلاً إلى غيرها، والعشرة: المخالطة والممازجة ... فأمر الله سبحانه بحسن صحبة النساء إذا عقدوا عليهن لتكون أدمة ما بينهم وصحبتهم على الكمال فإنه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش وهذا واجب على الزوج ... ] تفسير القرطبي 5/ 97. ولا شك أن معالجة الزوجة إن مرضت وتأمين الدواء لها من المعاشرة بالمعروف وكذلك قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} فإن أجرة العلاج وثمن الدواء داخل في الرزق.
ويدل على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لهند زوجة أبي سفيان (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) فهذا يشمل كل ما تحتاج إليه الزوجة وأولادها ويدخل فيه الأدوية وأجرة العلاج. ولعل جمهور الفقهاء الذين قالوا بعدم وجوب أجرة العلاج على الزوج بنوا هذا الحكم على ما كان معروفاً في زمانهم وخاصة أن الناس كانوا يعتنون بصحتهم ويتعالجون بأدوية طبيعية غير مكلفة، وأما في زماننا فقد اختلفت الأمور كثيراً وصار العلاج مكلفاً وكذا ما يترتب على ذلك من أجور المستشفيات ونحوها قال العلامة ابن عابدين الحنفي في منظومته: والعرف له اعتبار فلذا الحكم عليه قد يدار.
انظر نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف في الجزء الثاني من رسائل العلامة ابن عابدين ص112.
ويجب أن يعلم أن هذا الإنفاق يؤجر عليه الزوج أجراً عظيماً فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك) رواه مسلم.وقال - صلى الله عليه وسلم -: (أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله) رواه مسلم.
وعن أبي مسعود البدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة) رواه البخاري ومسلم.وعن سعد - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنك مهما أنفقت على أهلك من نفقة فإنك تؤجر حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك) رواه البخاري ومسلم.
وخلاصة الأمر أنه يلزم الزوج معالجة زوجته المريضة وعليه تحمل تكاليف علاجها ما دام مستطيعاً ويكون ذلك حسب العرف السائد في المجتمع.
" فتاوى يسألونك " للشيخ حسام الدين عفانة
وهذا - كما قلت سابقا - تشبه مسألة خدمة المرأة زوجها، ولسنا بحاجة لنصوص شرعية خاصة توجبها عليها، وواقع الحياة الزوجية هو أنها تخدمه، وهو يعالجها، وما يقوله الفقهاء من عدم وجوب الخدمة عليها، وعدم وجوب علاجها يجعل الحياة معقدة جافة، فيقولون العقد عليها من أجل البضع!!! فهل حياته معها كلها " جنس "؟!! وهل يجب عليه كسوة في الصيف وكسوة في الشتاء وتأمين الطعام لشبع البطن، ولا يُلزم بدواء يرفع الداء والعلة؟؟؟
ينبغي أن نرجع بالأمر لما كانت عليه حياة سلف الأمة من أمهات المؤمنين، والقرون الثلاثة، لنعرف كيف فهموا الإسلام عمليا.
وأين المستشفيات في زمانهم؟ وأين الصيدليات التي تبيع الدواء؟ وأين الذي ترك زوجته تئن وتتوجع وهو يقول: لا يجب علي علاجك؟؟؟
ولو لم يكن من الأدلة إلا الأمر بالمعاشرة بالمعروف لكان كافيا، ولذا فقد جاء عن اللجنة الدائمة فتوى بعدم الوجوب، وفتوى بأن هذا من العشرة بالمعروف - وهو واجب -، ومن الإحسان الواجب!!!
سئل علماء اللجنة الدائمة:
هل علاج الزوجة واجب على الزوج كالنفقة أم لا؟
فأجابوا:
علاج الرجل لزوجته هو من العشرة بالمعروف، ومن الإحسان الذي أمر الله به في قوله: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) سورة البقرة الآية 195.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، صالح بن فوزان الفوزان، بكر بن عبد الله أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (19/ 261).
وأرجو من الإخوة والمشايخ الفضلاء - كالشيخين ابن وهب، ومحمد بن شاكر الشريف وفقهما الله - الجواب على مسألة أنها محبوسة لخدمته، وأن الأصل فيها القرار في بيتها، والتوفيق بين ذلك وبين عدم وجوب معالجتها من زوجها.
فائدة:
بالنسبة لي:
من يتقدم للتزوج من بناتي فإن كان من طلبة العلم - لأنه لا يفعلها غيرهم! - فسأسأله قبل الموافقة عليه:
هل ترى الزواج بنية الطلاق؟
وهل ترى عدم وجوب علاج زوجتك؟
فإن أجاب " نعم " فيهما أو في أحدهما: فسأوصله للباب - بعد شرب القهوة - وأقول له: مع السلامة! (ابتسامة)
¥