" وعلمت أن التمسك بالعمومات مع الغفلة عم بيان الرسول وتركه هو اتباع المتشابه الذي نهى الله عنه ولو عولنا على العمومات وصرفنا النظر عن البيان لا نفتح باب كبير من أبواب البدعة لا يمكن سده ولا يقف الاختراع في الدين عند حد وإليك أمثلة في ذلك على ما تقدم:
الأول جاء في حديث الطبراني
" الصة خير موضوع " لوتمسكنا بعموم هذا كيف تكون صلاة الرغائب بدعة مذمومة؟ وكيف تكون صلاة شعبان بدعة مذمومة مع دخولهما في عموم الحديث؟ وقد نص العلماء على أنهما بدعتان قبيحتان مذمومتان كما يأتي
الثاني: قال تعالى: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا}
وقال عز وجل: {اذكروا الله ذكرا كثيرا}
إذا استحب لنا إنسان الأذان للعيدين والكسوفين والتراويح وقلنا كيف والنبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها ولم يأمر بها وتركها طول حياته فقال لنا: إن المؤذن داع إلى الله وإن المؤذن ذاكر لله كيف تقوم عليه الحجة وكيف تبطل بدعته؟
الثالث:
قال تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} الآية
لو صح الأخذ بالعمومات لصح أن يتقرب إلى الله تعالى بالصلاة والسلام [عليه صلى الله عليه وسلم] في قيام الليل وركوعها واعتدالها وسجودها إلى غير ذلك من الأمكنة التي لم يضع الرسول صلى الله عليه وسلم فيها ومن الذي يجيز التقرب إلى الله تعالى بمثل ذلك وتكون الصلاة بهذه الصفة عبادة معتبرة؟ وكيف هذا مع حديث " صلوا كما رأيتموني أصلي " رواه البخاري؟
الرابع: ورد في صحيح الحديث " فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر " لو أخذ بعموم هذا لوجبت الزكاة فيها ولا مستند لهم في عدم وجوب الزكاة سوى هذا الأصل وهو أن ما تركه مع قيام المقتضي على فعله فتركه هو السنة وفعله هو البدعة.
السبب الحقيقي في اختلاف العلماء في عدد ركعات التراويح
فإن قيل: سلمنا بفساد هذه الشبهات كلها وسلامة النص من أي معارض فما هو السبب الذي جعل العلماء يختلفون في عدد ركعات التراويح؟
فنقول: الذي يبدو لنا في ذلك أمران لا ثالث لهما:
الأول: وهو الأقوى والأكثر: عدم الاطلاع على هذا النص الواد في العدد فمن لم يبلغه ذلك فهو معذور في عدم العمل به لقوله تعالى عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق القرآن: لأنذركم به ومن بلغ بل هو مأجور لقوله صلى الله عليه وسلم:
- 12 (صحيح)
إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد رواه البخاري وغيره]
الثاني: أنهم فهموا النص فهما لا يلزمهم الوقوف عنده وعدم الزيادة عليه لوجه من وجوه التأويل التي قد تعرض لبعض العلماء بغض النظر عن كونه خطأ أو صوابا كقول الشافعية: " وأما قول عائشة: ما كان صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة فمحمول على الوتر ". ونحو ذلك من الوجوه التي لا تلزم غيرهم الأخذ بها لثبوت ضعفها لديهم فانظر مثلا إلى هذا الوجه الذي نقلته عن الشافعية فإنه ظاهر العف إذا تذكرت أن قول عاشة هذا إنما كان جوابا لمن سألها: " كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان "؟ كما سبق فالصلاة المسول عنها شاملة لكل صلاة الليل فكيف يصح أن يحمل على الوتر فقط دون صلاة الليل كلها مع أن هذا الحمل يفيد أنه صلى الله عليه وسلم كان له صلاتان: إحداهما صلاة الليل - وما أدري كم تكون ركعاتها - والأخرى صلاة الوتر بأكثر ركعاته: إحدى عشرة ركعة وهذا مما لا يقوله عالم بالسنة فالأحاديث متضافرة على أن صلاته صلى الله عليه وسلم في الليل لم تزد على الإحدى عشرة ركعة على التفصيل المتقدم فهذا من نتائج تأويل النصوص لتأييد المذهب
موقفنا من المخالفين لنا في هذه المسألة وغيرها
إذا عرفت ذلك فلا يتوهمن أحد أننا حين اخترنا الاقتصار على السنة في عدد ركعات التراويح وعدم جواز الزيادة عليها أننا نضلل أو نبدع من لا يرى ذلك من العلماء السابقين واللاحقين كما قد ظن ذلك بعض الناس واتخذوه حجة للطعن علينا توهما منهم أنه يلزم من قولنا: بأن الأمر الفلاني لا يجوز أو أنه بدعة أن كل من قال بجوازه واستحبابه فهو ضال مبتدع كلا فإنه وهم باطل وجهل بالغ لأن البدعة التي يذم صاحبها وتحمل عليه الأحاديث الزاجرة عن البدعة إنما هي " طريقة في الدين مخترعة تضاه الشيعة يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه " فمن ابتدع بدعة يقصد بها المبالغة في التعبد وهو يعلم أنها ليست من الشرع فهو الذي تنصب عليه تلك لأحاديث وأما من وقع فيها دون أن يعلم بها ولم يقصد بها المبالغة في التعبد فلا تشمله تلك الأحاديث مطلقا ولا تعنيه البتة وإنما تعني أولئك المبتدعة الذي يقفون في طريق انتشار السنة ويستحسنون كل بدعة بدون علم ولا هدى ولا كتاب منير بل ولا تقليدا لأهل العلم والذكر بل اتباعا للهوى وإرضاء للعوام وحاشا أن يكون من هؤلاء أحد من العلماء المعروفين بعلمهم وصدقهم وصلاحهم وإخلاصهم ولا سيما الأئمة الأربعة المجتهدين رضي الله عنهم أجمعين فغننا نقطع بتنزههم أن يستحسنوا بدعة مبالغة منهم في التعبد كيف وهم قد نهوا عن ذلك كما سنذكر نصوصهم في ذلك في الرسالة الخاصة بالبدعة إن شاء الله تعالى.
......
¥