تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا وَبَعْضُ يَوْمٍ: رُبْعُ يَوْمٍ. وَلِهَذَا كَانَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا إلَّا قَلِيلًا: تَكُونُ فِي كُلِّ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَثُلْثِ سَنَةٍ: سَنَةٌ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} قِيلَ: مَعْنَاهُ ثَلَاثُمِائَةٍ سَنَةً شَمْسِيَّةً. {وَازْدَادُوا تِسْعًا} بِحِسَابِ السَّنَةِ الْقَمَرِيَّةِ وَمُرَاعَاةُ هَذَيْنِ عَادَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْأُمَمِ: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ بِسَبَبِ تَحْرِيفِهِمْ وَأَظُنُّهُ كَانَ عَادَةَ الْمَجُوسِ أَيْضًا. وَأَمَّا مَنْ يَجْعَلُ السَّنَةَ طَبِيعِيَّةً وَالشَّهْرَ عَدَدِيًّا. فَهَذَا حِسَابُ الرُّومِ وَالسُّرْيَانِيِّين وَالْقِبْطِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ الصَّابِئِينَ وَالْمُشْرِكِينَ. مِمَّنْ يَعُدُّ شَهْرَ كَانُونَ وَنَحْوَهُ عَدَدًا وَيَعْتَبِرُ السَّنَةَ الشَّمْسِيَّةَ بِسَيْرِ الشَّمْسِ. فَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ فَبِأَنْ يَكُونَ الشَّهْرُ طَبِيعِيًّا وَالسَّنَةُ عَدَدِيَّةً فَهُوَ سُنَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ. ثُمَّ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ السَّنَةَ طَبِيعِيَّةً لَا يَعْتَمِدُونَ عَلَى أَمْرٍ ظَاهِرٍ كَمَا تَقَدَّمَ؛ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْحِسَابِ وَالْعَدَدِ. وَكَذَلِكَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ الشَّهْرَ طَبِيعِيًّا. وَيَعْتَمِدُونَ عَلَى الِاجْتِمَاعِ لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَدِ وَالْحِسَابِ. ثُمَّ مَا يَحْسِبُونَهُ أَمْرٌ خَفِيٌّ يَنْفَرِدُ بِهِ الْقَلِيلُ مِنْ النَّاسِ مَعَ كُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ وَتَعَرُّضٍ لِلْخَطَأِ. فَاَلَّذِي جَاءَتْ بِهِ شَرِيعَتُنَا أَكْمَلُ الْأُمُورِ؛ لِأَنَّهُ وَقَّتَ الشَّهْرَ بِأَمْرِ طَبِيعِيٍّ ظَاهِرٍ عَامٍّ يُدْرَكُ بِالْأَبْصَارِ فَلَا يَضِلُّ أَحَدٌ عَنْ دِينِهِ وَلَا يَشْغَلُهُ مُرَاعَاتُهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ مَصَالِحِهِ وَلَا يَدْخُلُ بِسَبَبِهِ فِيمَا لَا يَعْنِيه وَلَا يَكُونُ طَرِيقًا إلَى التَّلْبِيسِ فِي دِينِ اللَّهِ كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ عُلَمَاءَ أَهْلِ الْمِلَلِ بِمِلَلِهِمْ. وَأَمَّا الْحَوْلُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَدٌّ ظَاهِرٌ فِي السَّمَاءِ فَكَانَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْحِسَابِ وَالْعَدَدِ فَكَانَ عَدَدُ الشُّهُورِ الْهِلَالِيَّةِ أَظْهَرَ وَأَعَمَّ مِنْ أَنْ يُحْسَبَ بِسَيْرِ الشَّمْسِ وَتَكُونُ السَّنَةُ مُطَابِقَةً لِلشُّهُورِ؛ وَلِأَنَّ السِّنِينَ إذَا اجْتَمَعَتْ فَلَا بُدَّ مِنْ عَدَدِهَا فِي عَادَةِ جَمِيعِ الْأُمَمِ؛ إذْ لَيْسَ لِلسِّنَّيْنِ إذَا تَعَدَّدَتْ حَدٌّ سَمَاوِيٌّ يُعْرَفُ بِهِ عَدَدُهَا فَكَانَ عَدَدُ الشُّهُورِ مُوَافِقًا لِعَدَدِ الْبُرُوجِ جُعِلَتْ السَّنَةُ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا بِعَدَدِ الْبُرُوجِ الَّتِي تَكْمُلُ بِدَوْرِ الشَّمْسِ فِيهَا سَنَةً شَمْسِيَّةً فَإِذَا دَارَ الْقَمَرُ فِيهَا كَمَّلَ دَوْرَتَهُ السَّنَوِيَّةَ. وَبِهَذَا كُلِّهِ يَتَبَيَّنُ مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} فَإِنَّ عَدَدَ شُهُورِ السَّنَةِ وَعَدَدَ السَّنَةِ بَعْدَ السَّنَةِ إنَّمَا أَصْلُهُ بِتَقْدِيرِ الْقَمَرِ مَنَازِلَ. وَكَذَلِكَ مَعْرِفَةُ الْحِسَابِ؛ فَإِنَّ حِسَابَ بَعْضِ الشُّهُورِ لِمَا يَقَعُ فِيهِ مِنْ الْآجَالِ وَنَحْوِهَا إنَّمَا يَكُونُ بِالْهِلَالِ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}. فَظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ بِالْهِلَالِ يَكُونُ تَوْقِيتُ الشَّهْرِ وَالسَّنَةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يَقُومُ مَقَامَ الْهِلَالِ أَلْبَتَّةَ لِظُهُورِهِ وَظُهُورِ الْعَدَدِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ وَتَيَسُّرِ ذَلِكَ وَعُمُومِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ الْخَالِيَةِ عَنْ الْمَفَاسِدِ. وَمَنْ عَرَفَ مَا دَخَلَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ وَالصَّابِئِينَ وَالْمَجُوسِ وَغَيْرِهِمْ فِي أَعْيَادِهِمْ وَعِبَادَاتِهِمْ وَتَوَارِيخِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمْ مِنْ الِاضْطِرَابِ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير