تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الْوَحْي مَا أُوتِيَهُ صَارَتْ أُمِّيَّتُهُ الْمُخْتَصَّةُ بِهِ كَمَالًا فِي حَقِّهِ مِنْ جِهَةِ الْغِنَى بِمَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا وَأَكْمَلُ وَنَقْصًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ جِهَةِ فَقْدِهِ الْفَضَائِلَ الَّتِي لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْكِتَابَةِ.

ـ[أبو داوود القاهري]ــــــــ[09 - 09 - 06, 07:27 م]ـ

إذَا تَبَيَّنَ هَذَا: فَكِتَابُ أَيَّامِ الشَّهْرِ وَحِسَابِهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَإِنَّ مَنْ كَتَبَ مَسِيرَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ بِحُرُوفِ " أَبِجَدِّ " وَنَحْوِهَا وَحَسَبَ كَمْ مَضَى مِنْ مَسِيرِهَا وَمَتَى يَلْتَقِيَانِ لَيْلَةَ الِاسْتِسْرَارِ وَمَتَى يَتَقَابَلَانِ لَيْلَةَ الْإِبْدَارِ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَالْحِسَابِ مِنْ الْفَائِدَةِ إلَّا ضَبْطُ الْمَوَاقِيتِ الَّتِي يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهَا فِي تَحْدِيدِ الْحَوَادِثِ وَالْأَعْمَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُنَا مِنْ الْأُمَمِ فَضَبَطُوا مَوَاقِيتَهُمْ بِالْكِتَابِ وَالْحِسَابِ كَمَا يَفْعَلُونَهُ بِالْجَدَاوِلِ أَوْ بِحُرُوفِ الْجُمَلِ وَكَمَا يَحْسُبُونَ مَسِيرَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ: وَيَعْدِلُونَ ذَلِكَ وَيُقَوِّمُونَهُ بِالسَّيْرِ الْأَوْسَطِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ وَقْتُ الِاسْتِسْرَارِ وَالْإِبْدَارِ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّا أَيَّتُهَا الْأُمَّةَ الْأُمِّيَّةَ لَا نَكْتُبُ هَذَا الْكِتَابَ وَلَا نَحْسُبُ هَذَا الْحِسَابَ فَعَادَ كَلَامُهُ إلَى نَفْيِ الْحِسَابِ وَالْكِتَابِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَيَّامِ الشَّهْرِ الَّذِي يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى اسْتِسْرَارِ الْهِلَالِ وَطُلُوعِهِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ النَّفْيَ وَإِنْ كَانَ عَلَى إطْلَاقِهِ يَكُونُ عَامًّا فَإِذَا كَانَ فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ مَا يُبَيِّنُ الْمَقْصُودَ عُلِمَ بِهِ الْمَقْصُودُ أَخَاصٌّ هُوَ أَمْ عَامٌّ؟ فَلَمَّا قَرَنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {الشَّهْرُ ثَلَاثُونَ} وَ {الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ} بَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّا لَا نَحْتَاجُ فِي أَمْرِ الْهِلَالِ إلَى كِتَابٍ وَلَا حِسَابٍ إذْ هُوَ تَارَةً كَذَلِكَ وَتَارَةً كَذَلِكَ. وَالْفَارِقُ بَيْنَهُمَا هُوَ الرُّؤْيَةُ فَقَطْ لَيْسَ بَيْنَهَا فَرْقٌ آخَرُ مِنْ كِتَابٍ وَلَا حِسَابٍ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ. فَإِنَّ أَرْبَابَ الْكِتَابِ وَالْحِسَابِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَضْبُطُوا الرُّؤْيَةَ بِضَبْطِ مُسْتَمِرٍّ وَإِنَّمَا يُقَرِّبُوا ذَلِكَ فَيُصِيبُونَ تَارَةً وَيُخْطِئُونَ أُخْرَى. وَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ الْأُمِّيَّةَ الْمَذْكُورَةَ هُنَا صِفَةُ مَدْحٍ وَكَمَالٍ مِنْ وُجُوهٍ: مِنْ جِهَةِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْكِتَابِ وَالْحِسَابِ بِمَا هُوَ أَبْيَنُ مِنْهُ وَأَظْهَرُ وَهُوَ الْهِلَالُ. وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ هُنَا يَدْخُلُهُمَا غَلَطٌ. وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهِمَا تَعَبًا كَثِيرًا بِلَا فَائِدَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ شُغْلٌ عَنْ الْمَصَالِحِ إذْ هَذَا مَقْصُودٌ لِغَيْرِهِ لَا لِنَفْسِهِ وَإِذَا كَانَ نَفْيُ الْكِتَابِ وَالْحِسَابِ عَنْهُمْ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِخَيْرٍ مِنْهُ وَلِلْمَفْسَدَةِ الَّتِي فِيهِ كَانَ الْكِتَابُ وَالْحِسَابُ فِي ذَلِكَ نَقْصًا وَعَيْبًا بَلْ سَيِّئَةً وَذَنْبًا فَمَنْ دَخَلَ فِيهِ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ الْأُمَّةِ الْأُمِّيَّةِ فِيمَا هُوَ مِنْ الْكَمَالِ وَالْفَضْلِ السَّالِمِ عَنْ الْمَفْسَدَةِ وَدَخَلَ فِي أَمْرٍ نَاقِصٍ يُؤَدِّيهِ إلَى الْفَسَادِ وَالِاضْطِرَابِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ جَعَلَ هَذَا وَصْفًا لِلْأُمَّةِ. كَمَا جَعَلَهَا وَسَطًا فِي قَوْله تَعَالَى {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} فَالْخُرُوجُ عَنْ ذَلِكَ اتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَيْضًا فَالشَّيْءُ إذَا كَانَ صِفَةً لِلْأُمَّةِ لِأَنَّهُ أَصْلَحُ مِنْ غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّ غَيْرَهُ فِيهِ مَفْسَدَةٌ: كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ مُرَاعَاتُهُ وَلَا يَجُوزُ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير