وذكره في المعجم المختص وأطنب ثم قال: " يشارك في الفقه والأصول ويخوض في مضايق المعقول فيؤدي الحديث كما في النفس متناً وإسناداً وإليه المنتهى في معرفة الرجال وطبقاتهم ". انتهى.
ولا أحسب شيخنا المزي يدري المعقولات فضلاً عن الخوض في مضايقها فسامح الله شيخنا الذهبي.
وقد قدمنا في ترجمة الشيخ الإمام الوالد أني سمعت شيخنا الذهبي يقول ما رأيت أحفظ منه وأنه بلغني عنه أنه قال ما رأيت أحفظ من أربعة ابن دقيق العيد والدمياطي وابن تيمية والمزي وترتيبهم حسبما قدمناه.
وأنا لم أر من هؤلاء الأربعة غير المزي ولكن أقول ما رأيت أحفظ من ثلاثة المزي والذهبي والوالد على التفصيل الذي قدمته في ترجمة الوالد وعاصرت أربعة لا خامس لهم هؤلاء الثلاثة والبرزالي فإني لم أر البرزالي وكان البرزالي يفوقهم في معرفة الأجزاء ورواتها الأحياء وكانت الثلاثة تعظم المزي وتذعن له ويقرءون عليه ويعترفون بتقديمه.
وبالجملة كان شيخنا المزي أعجوبة زمانه يقرأ عليه القارئ نهارا كاملا والطرق تضطرب والأسانيد تختلف وضبط الأسماء يشكل وهو لا يسهو ولا يغفل يبين وجه الاختلاف ويوضح ضبط المشكل ويعين المبهم يقظ لا يغفل عند الاحتياج إليه وقد شاهدته الطلبة ينعس فإذا أخطأ القارئ رد عليه كأن شخصا أيقظه وقال له قال هذا القارئ كيت وكيت هل هو صحيح وهذا من عجائب الأمور وكان قد انتهت إليه رئاسة المحدثين في الدنيا
ومن ذكرناه من الثلاثة قد عرفناك أنهم مع علو رتبتهم يعترفون له أما الذهبي فثناؤه عليه قد أنبأناك به وقد ملأ تصانيفه وأما البرزالي فتلميذه وقارئه في دار الحديث الأشرفية وغيرها وأما الشيخ الإمام فلقد كان كثير الإجلال له كان الشيخ الحافظ يجيء في كثير من الأيام ومعه جماعة من الطلبة وجزء من سماع الشيخ الإمام وربما كان مما اشترك معه في سماعه فيقرأ على الشيخ الإمام وعليه والشيخ الإمام مع ذلك يعطيه من التعظيم ما هو مستحق له ولقد حكى لي فيما كان يحكيه من تسكين فتن أهل الشام أنه عقب دخوله دمشق بليلة واحدة حضر إليه الشيخ صدر الدين سليمان بن عبد الحكم المالكي وكان الشيخ الإمام يحبه قال دخل إلي وقت العشاء الآخرة وقال أمورا يريد بها تعريفي بأهل دمشق قال فذكر لي البرزالي وملازمته لي ثم انتهى إلى المزي فقال وينبغي لك عزله من مشيخة دار الحديث الأشرفية قال الشيخ الإمام: فاقشعر جلدي وغاب فكري وقلت في نفسي هذا إمام المحدثين والله لو عاش الدارقطني استحيي أن يدرس مكانه.
قال: وسكت ثم منعت الناس من الدخول علي ليلاً وقلت هذه بلدة كبيرة الفتن فقلت أنا للشيخ الإمام إن صدر الدين المالكي لا ينكر رتبة المزي في الحديث ولكن كأنه لاحظ ما هو شرط واقفها من أن شيخها لا بد وأن يكون أشعري العقيدة والمزي وإن كان حين ولي كتب بخطه بأنه أشعري إلا أن الناس لا يصدقونه في ذلك.
فقال: أعرف أن هذا هو الذي لاحظه صدر الدين ولكن من ذا الذي يتجاسر أن يقول المزي ما يصلح لدار الحديث والله ركني ما يحمل هذا الكلام
فانظر عظمة المزي عنده]. لم ينتهي كلام السبكي؛ فانظره؛ فإنه مفيد للغاية.
3 - النجوم الزاهرة (10/ 76 - 77):
[وتوفي الحافظ الحجة جمال الدين أبو الحجاج: يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف بن علي بن عبد الملك بن أبي الزهر القضاعي الكلبي المزي الحلبي المولد ولد بظاهر حلب في عاشر ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وستمائة ومات بدمشق في ثاني عشر صفر وكان إمام عصره أحد الحفاظ المشهورين، سمع الكثير ورحل وكتب وصنف، وقد ذكرنا عدة كبيرة من مشايخه وسماعاته في ترجمته في المنهل الصافي ونبذة كبيرة من أخباره، ومن مصنفاته كتاب تهذيب الكمال وهو في غاية الحسن في معناه]. انتهى.