- كما زعم - تضعيف حديث جابر:? لا تنتفعوا من الميتة بشيء?، لأن له - بزعمه - طريقاً أخرى وهي ضعيفة باعترافه ولو تقليداً، فهل يليق به هو أن يضعف حديث جابر أيضاً المتقدم في صلاة النبي r لتراويح إحدى عشرة ركعة، وله شاهد صحيح من حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين يراه فيهما بعينه؟!!
أليس معنى هذا أن الشيخ يلعب على الحَبْلين، ويكيل بكيلين؟! فالله هو المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأزيد الآن فأقول تبياناً لحقيقة من الحقائق التي فاتت الشيخ إسماعيل الأنصاري - هداه الله -:
إنما قلت آنفاً: (بزعمه) إشارة مني إلى أن هذه الطريق التي نقل عن بعضهم تحسينها، وأخذ عليّ
تضعيفها، وهو يرى بعينه أن فيها عنعنة أبي الزبير عن جابر، هي نفسها الطريق الأخرى التي قوَّى
الأولى بها، فإن مدارها على أبي الزبير أيضاً، كما في "نصب الراية" (1/ 122)!
فهل أحاط علم الشيخ بأن من " ما قرره أئمة الفن " أنه يجوز تقوية الضعيف بنفسه وليس بمثله!
أم هو اتباع الهوى ومحاولة الانتصار للأشياخ ولو بمخالفة الحق! أم هو التقليد لمثل الشوكاني في "النيل" الذي يكثر فيه النقل والتقميش، ويقل منه فيه التحقيق والتفتيش في مجال الكلام على الأحاديث؟!!
لكن هذا لا يمنعني - بفضل الله وتوفيقه - من التصريح بأنني وجدت فيما بعد شاهداً قوياً لحديث جابر هذا وبلفظه من حديث ابن عُكيم رضي الله عنه، لم أر أحداً قبلي قد ذكره أو أشار إليه، وهو صحيح الإسناد عندي، كما تراه مشروحاً في كتابي "إرواء الغليل" (1/ 78).
فلو أن الشيخ الأنصاري أراد العلم والنصح والإرشاد، لم يسئ بجعل الطريق الواحد طريقين، ولأحسن إلينا بالدلالة على هذا الشاهد، ولكن الأمر كما قيل: (فاقد الشيء لا يعطيه)، فقد رايته ذكر في رده (ص48) أن حديث ابن عكيم عند الدارقطني، وأن معناه ومعنى حديث جابر واحد!
ومع أنني لا أدري والله - ولا أظن أنه هو يدري - لماذا خص الدارقطني بالذكر دون سائر أصحاب السنن مع أن لفظه ولفظهم واحد:? لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب?، وأن دعواه أنه بمعنى حديث جابر غير مُسَلَّمٍ لأنه أخص منه كما هو ظاهر، فقد فاته اللفظ الذي هو بلفظ حديث جابر بالحرف الواحد.
فالحمد لله الذي هداني- ولو بعد حين - إليه، ولم يسلط أحداً - بسبب غفلتي السابقة عنه - عليّ، وإلا. . نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة.
5 - ولم يقتصر الشيخ على ما سبق من الافتراء عَلَيَّ، فقد نسبني (ص41) إلى تجهيل السلف !
(سبحانك هذا بهتان عظيم).
والحق أنه لا ذنب لي عند الشيخ وأمثاله من المقلدة والحاقدين إلا أنني أدعو إلى اتباع السلف الصالح والتمسك بمذهبهم، لا بمذهب أشخاص معينين منهم، فذلك هو الذي حمل الشيخ أن يقف مني موقف الخصم الحاقد، مسايرة منه للجمهور المقلد، الذي لا يعرف من الدين إلا ما وجد عليه الآباء والأجداد، إلا من عصم الله، وقليل ما هم.
ومن عجيب أمر هذا الشيخ أنه مر بكل تلك المسائل التي سبقت الإشارة إليها، وحققنا القول فيها، ولا شك أنه معنا في بعضها على الأقل أو جلها، فلم يبين موقفه منها، مثلاً قولنا: إنه لا يلزم من ثبوت أثر العشرين ترك العمل بالرواية الأخرى المطابقة لحديث عائشة أن النبي r كان لا يزيد في رمضان
ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، وهل الأفضل العمل بسنته r أو بما فعله الناس في عهد عمر على فرض ثبوت ذلك عنهم؟!
لم يُظهر الشيخ موقفه من ذلك، لأنه إن رجح خلاف السنة انفضح أمره بين أهل السنة، وإن رجح السنة وافق الألباني، وهذا مما لا تسمح به نفسه لسبب أو لأكثر مما لا يخفى على القارئ اللبيب!
هذا مثال من الردود التي اطلعنا عليها، مما رُدَّ به على رسالتنا "صلاة التراويح" وهو من أمثل الردود، ومع ذلك، فقد عرف القارئ الكريم نماذج مما جاء فيه، مما يتجلى فيه التجرد عن الإنصاف، والبعد عن سبيل أهل العلم الذين لا يبتغون سوى بيان الحقيقة، وإذا كان هذا من أفضلهم وأعلمهم، فما بالك بغيره ممن لا عم عنده ولا خُلُق؟!
ذلك، ولما كانت رسالتنا المذكورة "صلاة التراويح" قد مضى على طبعها زمن غير قصير، ودعت الحاجة إلى إعادة طبعها، وكانت من حيث أسلوبها قد حققت أهدافها، وأدت أغراضها، التي أهمها تنبيه الجمهور إلى السنة في صلاة التراويح، والرد على المخالفين لها، حتى انتشرت هذه السنة في كثير من مساجد سورية والأردن وغيرهما من البلاد الإسلامية، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، لذلك فقد رأيت أن أختصرها بأسلوب علمي محض، دون أن أتعرض فيها لأحد برد، على حد قول من قال: (ألق كلمتك وامْشِ)، ملخصاً كل الفوائد العلمية التي كانت في " الأصل "، مضيفاً إليها فوائد أخرى إتماماً للفائدة، والله سبحانه المسؤول أن ينفع بها كما نفع بسابقتها، وأن يأجُرني عليها إنه أكرم مسؤول.
¥