3 - أن رسالته كانت عامة لجميع الخلق، واستفادت من الرسالات السابقة أحسن ما فيها، {فبهداهم اقتده}. [**/ **]، وجاءت في وقت كانت الإنسانية محتاجة فيها إلى تحول جذري يربط حاضرها بماضيها السحيق ربطا صحيحا محكما، يرجع أصله إلى عهد سيدنا آدم، أول الرسل، ثم إلى سيدنا إدريس، ثم إلى سيدنا نوح، ثم إلى سيدنا محمد عليهم الصلاة والسلام. وبنت للمستقبل أسس دولة إسلامية عالمية، لأن العقل البشري في القرن السابع للميلاد أصبح ناضجا لدرجة كبرى نضجا يمكنه من قبول رسالة إلهية واحدة، فأنعم الله عليه بما هو أهل له. ولأن الفساد ظهر في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، فتوفرت بذلك مبررات قيام رسالة عالمية تصحح العقيدة، وتحكم بين الناس بالعدل، وتحارب الملل والنحل الهدامة، وتقوض هياكل الظلم والجهل.
فكانت هاته الرسالة هي: الإسلام، وصاحبها هو: سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
4 - أن الله تعالى أنزل عليه الكتاب الذي جمع فيه أحسن ما في الكتب السماوية كلها من علوم ومعارف وشرائع وقوانين، وأخلاق وتاريخ، وقصص وأمثال وعبر. {ما فرطنا في الكتاب من شيء}. [**/ **]، تبعث الإيمان في النفوس، وتصوغ الإنسان صياغة جديدة مثالية، فتجعل منه مواطنا صالحا بين المجتمع الإنساني الذي يعيش فيه. بل تؤهله ليكون رائد أهله وعشيرته، ومركزا قويا للإشعاع الروحي، وربما يكون رائد وطنه والأوطان المجاورة له.
5 - أنه نطق بعلوم ومعارف، وأسرار وحكم، وآداب وشرائع وقوانين ... إلخ، تعد ثاني الأدلة القطعية على صدق نبوته ورسالته بعد القرآن. ولو فرضنا جدلا أن شخصا عاش أول الدنيا إلى آخرها عيشة اندمج فيها مع جميع المجتمعات البشرية اندماجا قويا حتى خبرها واختبرها، لعجز أن يتحدث بشطر من ذلك فضلا عن كله. وها هي كتب السنة النبوية شاهدة على ذلك، وما السنة إلا المذكرة التفسيرية للقرآن: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}. [**/ **].
6 - أن الكتاب والسنة هما المنقذان للبشرية من كل الأزمات الدينية والسياسية والاقتصادية التي تتخبط فيها حينما تبتعد عن ربها ونبيها. وتأمل قوله عليه الصلاة والسلام: "تركت أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم". رواه مالك وغيره.
وها هم رواد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، يصرحون بعد أربعة عشر قرنا من البعثة النبوية، وبعد قرون من الجهل في ميادين الاقتصاد والحرب، وبعد أحقاب من الاستعمار أن الإسلام هو المنقذ الوحيد من الأزمات التي تتخبط فيها شعوبهم في الميدانين المذكورين.
7 - أنه دعا إلى حفظ التوازن بين الروح والمادة، فوضع تشريعات في ميدان المعاملات، فهو دين عبادات ودين معاملات، ولك الحرية في تسمية المعاملات بما تريد من الأسماء الحديثة التي يقال عنها: إنها عصرية. وتصنيفها والتخصص فيما تريده منها، سواء في الميادين المدنية والجنائية والعسكرية، أو في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية ..
8 - أنه بُعث ليتمم مكارم الأخلاق كما في حديث أخرجه مالك في "الموطأ وغيره. فكان "الإنسان الكامل" الذي لم تشهد البشرية له مثيلا، ولا زالت سيرته المدرسة العملية لتربية الإنسان تربية مثالية، وتأهيله ليكون خليفة الله في الأرض.
9 - أنه استطاع – بأمر من الله وتأييده – أن يربط المسلمين إلى المسجد الحرام ومنى وعرفات ومزدلفة ربطا محكما في كل سنة، بما نزل الله من آيات بينات في الموضوع، وبما نطق به من تصريحات خالدة ترغب المسلمين في الحج والفوز بما أعده الله للحجاج من خيري الدنيا والآخرة.
فكل من يرى في كل سنة أكثر من مليونين من الناس، وعددهم يزداد كل سنة وهم يحجون بشوق ما عليه من مزيد على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأعمارهم، ويتيقن أن قلوب مليار من المسلمين تهفوا إليهم في أيام الحج، وتشاركهم في أدعيتهم وعواطفهم؛ يعلم علم اليقين أن أكبر ربط يربط المسلمين إلى ربهم، وأكبر جامعة تجمعهم هي: ربط الحج، وجامعة الحج. وصدق الله تعالى في قوله: {ليشهدوا منافع لهم}. [**/ **].
ويعلم علم اليقين أيضا: أن الكتلتين الشيوعية والرأسمالية وإن قضتا بدسائسهما ومكائدهما على الخلافة الإسلامية العثمانية؛ فإنهما لم تستطيعا ولن تستطيعا أن تقضيا على الحرمين الشريفين، حتى في بلاد الخلافة العثمانية نفسها.
¥