ويزاد على هذا: تمتعهم بعد مماتهم بالذكر الحسن: والذكر للإنسان عمر ثان. وهو مطلب تقدم به سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لربه حيث قال: {واجعل لي لسان صدق في الآخرين}. [**/ **]، فاستجاب الله دعاءه بواسطة حفيده سيدنا محمد في الصلاة الإبراهيمية التي علم بها أصحابه كيف يصلون عليه، وهي صلاة يكررها كل مسلم في صلاته خمس مرات في كل يوم.
وقد عاش العرب في العصر النبوي عيشة سعيدة في ظل الحكومة الإسلامية الأولى، وشاركتهم في هذه السعادة أمم اهتدت بهديهم في جل عصور الخلفاء الراشدين.
وفي تلك العهود ظهر من جديد كيد الفرس والروم واليهود ضد الإسلام من طرف أناس أسلموا ظاهرا ولم يسلموا باطنا، واستغلوا وجودهم في حظيرة الوجود الإسلامي فساروا يبثون السموم ضد الخلفاء الراشدين محاولين القضاء عليهم وإحداث الشقاق فيما بينهم، وإدخال الأنظمة الكسروية والرومانية واليهودية في التعاليم الإسلامية، بالسيف تارة، وباللسان والقلم أخرى. وإهمال نقط حساسة في التعاليم افسلامية قصد إفراغها من السمو الجامع، وحشوها بتعاليم ما أنزل الله بها من سلطان. فتم لهم ما أرادوا، وقتل شطر من الخلفاء الراشدين، وأضيفت كثير من الإسرائيليات إلى أحاديث الرسول، ولكن كان الأمر كما قال بعض الشعراء:
إذا مات منا سيد جاء سيد===قؤول لأقوال الكرام فعول
وتصدى لدحض أباطيلهم جملة من الحفاظ والمحدثين الذين خصهم الله بالذود عن دينه، فوضعوا موازين محكمة ميزوا بها الصحيح من غيره، أبدى إعجابه بها كل علماء الدنيا، وحتى المستشرقون الذين اعتنوا بالدراسات الإسلامية العليا. وألف الحفاظ كتبا في الأحاديث الموضوعة، فضحوا أولئك الوضاعين فضحا أصبحوا معه مشهورين في جميع أنحاء الدنيا شهرة خالدة.
ولا زال الإسلام صامدا في ميدان المعركة إلى الآن بفضل الله، وسيبقى كذلك إن شاء الله تعالى إلى يوم القيامة.
وتمر الذكرى الواحدة والخمسون بعد أربعمائة وألف سنة من ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمؤامرة ضد الإسلام اتخذت شكلا لم يتقدم له نظير، ذلك أنها أضافت إلى الحديد والنار الذي استعمرت به الشعوب الإسلامية حقبة من الزمن سلاحا جديدا أخطر منه بكثير؛ هو: سلاح الثقافة الذي غزت به جميع بلاد المسلمين.
ورغما عن كون بلاد المسلمين استطاعت أن تطرد مستعمريها بالأمس من بلادها، بفضل الروح الإسلامية المتشبعة بها؟، فإنها إلى الآن لم تقطع أشواطا هامة في طرد لغتهم وقوانينهم وعاداتهم المستهجنة، بحيث يخيل إليك وأنت تتجول في كثير منها كأنك في بلد أجنبي.
بل غزتها إيديولوجيات منظمة وممولة تحاول بسرعة أن تغزو العقيدة الإسلامية نفسها، ولا أنكر أنها أثرت تأثيرا بليغا في نفوس جملة من الشباب الجاهلين بعقيدتهم ولغتهم وتارخهم وحضارتهم، فأصبحوا يعتقدون أنها المنقذ الوحيد مما هم فيه من تخلف، ولو درسوا دينهم الذي هو دين دولة وعقيدة، ونظام ومصحف وسيف، وحضارة وفن، وتارخهم الذهبي من مصادره الأصلية، واستمعوا إلى محاضرات العلماء؛ لتعرفوا إلى حقائق الإسلام، وعضوا عليه بالنوتجذ، وتبخرت أمامهم هذه الأيديولوجيات، وأصبحت كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، والعرب داخل الباب لا بالباب كما قيل.
فلنرجع إلى الكتاب والسنة بمناسبة ذكرى المولد النبوي، ولنعلم أن الاستعمار ما أبعدهما وأبعد علماءهما عن مدارسنا وإداراتنا منذ أن وطئت أقدامه أراضينا إلا ليحول بيننا وبين مكامن القوة فينا، ويقطع عنا أحبال الاعتزاز بديننا ولغتنا وعروبتنا، ويصوغنا صياغة مادية صرفة لا تمت إلى الروحيات بأدنى صلة. وعندها نسقط أمامه صرعى غير مأسوف علينا من الناس، ويقضى بذلك على ما شيده الفاتحون المسلمون منذ أشرق نور الإسلام على المغرب، وواصله مئات الملايين من أبنائنا وأجدادنا طوال ثلاثة عشر قرنا.
ولنعد النظر في برامج التعليم، ولنصغها صياغة إسلامية جامعة، مع التفتح على كل جديد، لأن الإسلام لا يعارض في تعليم اللغات الحية والتعرف على كل جديد نافع حتى إنه مجد العلم تمجيدا لم يسبق له مثيل، وأمر بطلبه ولو في الصين.
ولنعجل بتدوين مدونات للأحوال المدنية والجنائية، مستمدة من الشريعة الإسلامية، ولنقدمها هدية لأجيالنا الصاعدة، وهدية إلى العالم أيضا.
¥