الحقيقة الثانية: أنه بشارة عيسى. تلك البشارة التي حدثنا بها القرآن الكريم في قوله: {وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد}. [**/ **].
وهي بشارة أراد بها سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام أن يربط الماضي بالحاضر والمستقبل، بتأكيد تصديقه لرسالة سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام، الذي بلغه للدنيا بقرون عديدة، وفسح مجال السعادة أمام بني إسرائيل في حياته ليؤمنوا به، وبعد مماته ليؤمنوا في المستقبل وفي القرون التي ستشهدها الدنيا قبل فنائها بالنبي الخاتم سيدنا أحمد صلى الله عليه وسلم، وبذلك يجمعون بين المحاسن، ويكتبون في سجل الخلود، ويضمنون سعادة الآخرة بجانب سعادة الدنيا.
ولكنهم قوم أعمى الله بصيرتهم فقتلوا أنبياءهم بغير حق، وكادوا لهم بمختلف أنواع الكيد، وحاربوا تعاليم ربهم بجميع أنواع المحاربة، فقطعهم في الأرض أمما، وكتب عليهم الذلة إلا بحبل من الله وحبل من الناس.
وقد استمد سيدنا عيسى معلوماته عن سيدنا أحمد بواسطة آيات من التوراة أنزلها الله عليه. وقد أفادنا بترجمة بعضها من العبرية إلى العربية سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما كما في صحيح البخاري: "يا أيها النبيء إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخّاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله، فيفتح أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا".
الحقيقية التاريخية الثالية: هي الرؤيا الرائعة التي شاهدتها أمه مولاتنا آمنة بنت وهب – رضي الله عنها – ساعة ولادته، وقد وصف العرباض بن سارية هاته الرؤيا بأنها: نور أضاءت له قصور الشام. وما كانت هاته الإضاءة إلا بسبب قوة هذا النور المدهشة وعظمته الخارقة التي لا يمكن أن يخلقها إلا الله سبحانه.
وما هذا النور إلا نور الإسلام، نور القرآن، نور الحكمة، نور العلم، نور الهدى، نور العدالة، نور القضاء على جميع مظاهر التخلف، نور الدولة العالمية التي تضمن السعادة الدينية والدنيوية لجميع سكان العالم، وهي أنوار تقمصتها ذاته الكريمة، وولدت معه في تلك الليلة الخالدة. وما ولد إلا من أجل حمل مشاعلها وإضاءة العالم بأنوارها.
وقد سجل مجمل هذه المعاني سيدنا العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله مخاطبا الرسول:
وأنت لما وُلدتَ أشرقت الأرْ===ضُ، وضاءت بنورك الأفُقُ
فنحن في ذلك الضياء وفي النْـ===ـنُور وسُبْل الرشاد نخترقُ
وهما من قطعة شعرية أوردها الحاكم والطبراني عن سيدنا حزام بن أوس رضي الله عنه، كما سجلها الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه: "لطائف المعارف" في قوله: "وخروج هذا النور عند وضعه: إشارة إلى ما يجيء به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض، وزال به ظلام الشرك كما قال تعالى: {لقد جاءكم من الله نور وكتاب مبين. يهدي به الله من اتبع رضوانه سُبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم}. [**/**] ".
وقد تضمن الحديث الشريف حقيقةً تاريخية رابعة لا بد من التحدث عنها؛ وهي: أن جميع أمهات النبيئين يرين ساعة ولادتهن إرهاصات وتأسيسات خارقة للعادة، تؤذن بأن أبناءهن سيكونون في مستوى يفوق مستوى البشر، وهو: مستوى النبيئين الذين هم أعلم الناس، وأتقى الناس، وأكمل الناس.
وقد يُحدثون ثورات في مجتمعاتهم يقضون بواسطتها على مظاهر الشر، ويقيمون هياكل الخير. وما مظاهر الخير التي نشاهدها في جميع جهات العالم – مسلمه وكافره – والمقاييس التي توزن بها الأشياء كلها، والعلوم الموجودة هنا وهناك؛ إلا أثر من آثار الرسالات السماوية التي تبلورت في الرسالة المحمدية.
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ... آمين
ـ[المقدادي]ــــــــ[23 - 09 - 06, 06:21 ص]ـ
جزاكم الله خيرا شيخنا الكريم على بث هذه المقالات النافعة عن نبينا محمد صلى الله عليه و سلم
ـ[أبو الحسن العسقلاني]ــــــــ[23 - 09 - 06, 08:55 ص]ـ
جزاكم الله خيرا