يا قوم إن الأمر دين وتوقيع عن رب العالمين" فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لايهدي القوم الظالمين "فإلى الله المشتكى والله المستعان.
ثم يقول العلامة ابن رجب رحمه الله "وعلامة صحة دعواه أن يستقل بالكلام في المسائل كما استقل غيره من الأئمة ولايكون كلامه مأخوذا من كلام غيره.
فأما من اعتمد على مجرد نقل كلام غيره إما حكما أو حكما ودليلا كان غاية جهده أن يفهمه وربما لم يفهمه جيدا أو حرفه وغيَّره فما أبعد هذا عن درجة الاجتهاد كماقيل:
فدع عنك الكتابة لست منها ..... ولو سودت وجهك بالمداد " انتهى كلامه رحمه الله.
إن بعض الجهال يستدلون بنهي الأئمة عن تقليدهم على تسويغ جرأتهم على الدين ولكن هل كان الأئمة يخاطبون هؤلاء الرعاع حين نهوا عن التقليد؟
أم كان الكلام فيمن بلغ مرتبة الأئمة وصار علمه قريبا منهم وحصل أدوات الاجتهاد وهي معروفة مسطورة في كتب الأصول، فهذا لا حجر عليه أن يجتهد.فمن لم يبلغ هذه الغاية ولاوصل إلى مرتبة الدراية ولا عرف من العلم إلا النزر اليسير ولا اطلع على الإجماع والخلاف والأصول واللغة ثم يدعي أنه وصل إلى درجة الاجتهاد وهو بعد لم يرتق عن درجات العوام ولم يصل والله لدرجة المقلدين الذين ينكر عليهم فهذا أحق بقول ربيعة الرأي "ولبعض من يفتي اليوم أحق بالسجن من السراق".
إن مجرد معرفتك للحديث يا هذا_لو لم تكن مقلدا فيه للمعاصرين كذلك_لا تؤهلك للترجيح والإفتاء حتى تحصل كل شروط الاجتهاد من العلم بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة وفتاوى الأئمة ومعرفة الأصول واللغة وغير ذلك مما يطول ذكره، وأما ان تهدم أصول العلماء مستدلا بحديث قد عرَفوه وأنت في عالم الذر، فهذا عبث وهذر، وأعجب من ذلك أن يقول الغر المأفون:لعل أحمد لم يطلع على هذا الحديث!!!! وربما يكون في مسنده الذي لم يطالعه الأخرق مرة في عمره.
فانظر_ يارعاك الله _إنه يتكلم عن حديث مشهور جدا ولولا شهرته ما وصل إليه ولا إلى شيخه!!!
ويزعم أنه اطلع على ما لم يطلع عليه أحمد الذي حفظ ألف ألف حديث!!! فأي تزكية للنفس وحط من قدر السلف بعد هذا!!!
وربما يكون الحديث في مسند أحمد أو سئل عنه في مسائله،وربما يكون في موطأ مالك أو مسند الشافعي.
يعني وإن جاز عقلا أن يجهل الأئمة هذا الحديث لكن يستحيل في العادة _والله_ أن يجهلوه.
ياليت شعري ليته يقول إني أخالف فهم احمد والشافعي مثلا للحديث فهذه قد تقبل _وليس من كل أحد ايضا_أما أن يقفز مباشرة إلى رمي الأئمة بالجهل فهذه هي الكارثة الحقيقية لأن أحمد مثلا منع من يحفظ مائتي ألف حديث من الإفتاء،فهو إذن لا محالة يحفظ أكثر من هذا العدد فهل هذا الحديث خارج عن المائتي الألف لو كان هؤلاء الهمج الرعاع يعقلون!!! ولو سلم أنه لم يقف عليه فالمسألة ليست في هذا الحديث بعينه بل إن المسألة تتكرر حتى تتقرر وتكون أول ما يتبادر إلى ذهن الغر المأفون.
فالمصيبة الكبيرة والباقعة التي ليس لها راقعة أنه يقول هذا في كل مسألة يخالف فيها إماما!!! فنخلص إلى أن احمد ومالكا والشافعي وأبا حنيفة كانوا لايعرفون الحديث أصلا!!! لأن القضية ليست حديثا واحدا في مسألة واحدة إذاً لربما هان الأمر وليس هينا والله.
أما تتقي الله يا من تدعوإلى اتباع السلف وأنت تطعن في أئمة الدين وترميهم بالجهل بالنصوص، وأي نصوص؟ التي من شهرتها وصلت جاهلا غرا مثلك؟ فلله الأمر من قبل ومن بعد.
وتأمل قول الحافظ ابن رجب رحمه الله عن الإمام أحمد بعد أن بين سعة علمه بالنصوص واقوال الصحابة والتابعين وفتاوى الأئمة في زمانه وقبل زمانه:
" ولانعلم سنة صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد أحاط بها علما وكان أشد الناس اتباعا للسنة إذا صحت ولم يعارضها معارض قوي "
قلت:انظر_ يا محب_ وتأمل في قوله "ولم يعارضها معارض قوي" ثم قال "وإنما ترك الأخذ بما لم يصح وبما عارضه معارض قوي جدا"
ثم قال رحمه الله، وتأمل هذا الكلام جيدا _ألهمت رشدك ووقيت شر نفسك_ "وكان السلف رضي الله عنهم لقرب عهدهم بزمن النبوة وكثرة ممارستهم كلام الصحابة والتابعين ومن بعدهم يعرفون الأحاديث الشاذة التي لم يُعمل بها ويطرحونها ويكتفون بالعمل بما مضى عليه السلف ويعرفون من ذلك ما لم يعرفه من بعدهم ممن لم تبلغه السنن إلا من كتب الحديث لطول العهد وبعده " الله أكبر رحمك الله يا ابن رجب وأجزل لك الثواب.
فأجل النظر يرحمك الله في هذا الكلام النفيس وعض عليه بالنواجذ وافهم لماذا ترك السلف العمل بما صححه فلان من المعاصرين وتنكبوا عنه مع علمهم بسنده وحاله وعدم خفاء ذلك عليهم، ولذا ترى الترمذي رحمه الله مما يكثر أن يقول بعد رواية الحديث في جامعه: والعمل على هذا عند أهل العلم، وربما يذكر الحديث الذي صح سنده ظاهرا ويصرح أنه لم يعمل به أحد من السلف فيأتي الغر ويقول: الحديث حجة بنفسه وما حجتي أنا أمام الله إن تركت العمل به بعد أن علمت صحته!!!! ولعله لم يعرف صحته إلا تقليدا وللمعاصرين!!!.
واختم بقول الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى:
"إذا فهمت هذا وعلمته فهذه نصيحة لك أيها الطالب لمذهب هذا الإمام أؤديها لك خالصة لوجه الله تعالى فإنه لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه:
إياك ثم إياك أن تحدث نفسك أنك قد اطلعت على ما لم يطلع عليه هذا الإمام ووصلت من الفهم إلى مالم يصل إليه هذا الذي ظهر فضل فهمه على من بعده من أولي الأفهام ولتكن همتك كلها مجموعة على فهم ما أشار إليه وتعلم ما أرشد إليه من الكتاب والسنة على الوجه الذي سبق شرحه ".
هذا بعض ما في الصدر كتبته في السطر وهي إشارات عابرة موجهة لأصحاب العقول السادرة لعلها تفتح الباب لمن أراد الولوج من أولي الألباب وتسد الخلل المفضي إلى الزلل والله المسؤول أن يصلح الحال والبال ويحسن العاقبة والمآل إنه سبحانه خير مسؤول وأكرم مأمول.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وأصحابه خير قوم، والحمد لله الذي لاتأخذه سنة ولانوم.
¥