[الدعوة إلى التوحيد]
ـ[عيسى بنتفريت]ــــــــ[18 - 09 - 06, 08:11 م]ـ
[الدعوة إلى التوحيد]
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد:
سبق الحديث في ما مضى عن فتنة الناس في القبور وذلك في مشارق الأرض ومغاربها، وما حصل بسبب ذلك من المنكرات العظيمة، والتي من أفظعها الشرك بالله، وصرف العبادة لغير الله سبحانه وتعالى، أضف إلى ذلك ما يحصل من المنكرات الأخلاقية نتيجة الاختلاط بين الذكور والإناث، ونحو ذلك من الأمور. وقد كان وقع المصيبة أخف مما هي عليه في واقع الحال، لو أن هذه المنكرات تحدث من عوام الناس، والمتفلتين من الدين والخلق، لكن ما جعل الواقع بهذه المرارة هو أن بعض المنتسبين إلى العلم الشرعي -ظلماً وبهتاناً- كانت لهم يد المشاركة في هذه القبائح الشركية، سواء كانت مشاركة فعلية أو مباركة حضورية -إن صح التعبير- أو سكوتاً على الباطل وعدم القيام بواجب الدعوة والنصح والتوجيه، مع علم الكثير منهم بفساد هذه الأحوال.
وهذا الموقف من هؤلاء حمل دهماء العامة والرعاع من الناس على المضي قدماً في مسيرتهم المنحرفة هذه، دون توقف لأنها -حسب تصورهم- مسيرة عبادة وقربة إلى الله ما دام أن شيخ الطريقة، أو العالم الفلاني شارك فيها أو باركها، ومن هنا تتضح المقالة المأثورة: (إذا زل العالِم؛ زل بزلته عالَم).
ومن هنا وجب التنبيه إلى خطورة أمثال هؤلاء العلماء الذين باعوا الدين بالدنيا، أو تقاعسوا في بيان الحق، أو داهنوا في دين الله، وليعلم كل من سلك هذا المسلك المشين أنه عرضة لسخط الله ومقته، وأن هذا المسلك هو مسلك أهل الكتاب الذين اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً، فذمهم الله، ومقتهم.
وفي المقابل فيجب على من آتاه العلم ممن يغار على دين الله أن يقوموا لله خير قيام، وألا يتركوا ساحة الدعوة خالية يعبث بها أمثال هؤلاء الذين لا ينظرون إلا إلى متاع الدنيا وحطامها، وربما باعوا دينهم وأنفسهم لشياطين الأنس والجن. ورضوا بأن يكونوا عبيد الدينار والدرهم، أو المناصب الدنوية الفانية.
فالساحة اليوم بحاجة ملحة، والعلماء الربانيون يقلون، وأهل الباطل يكثرون، وأنواع الفساد والشرور في ازدياد.
وعلى طلاب العلم اليوم مسؤولية عظيمة، ومهمتهم ليست باليسيرة، فالأمة، تقبع في هاوية سحيقة، وقد أصيبت في مقتلها، وفقدت مقومات النهوض إلا في حس أفراد معدودين.
وإن مما يؤسف له أن كثيراً من طلاب العلم، وأصحاب التوجيه العقدي السليم من شوائب الشرك والخرافة والبدع، لا يقدرون واقع الأمة الإسلامية، ولا يتصورون خطورة ما آلت إليه من الانحراف والبعد عن دين الله، كما أن كثيراً منهم -بل أكثرهم- لا يدرك الواجب المتحتم عليه في تخليص الناس من هذا الشر المستطير، ودعوتهم إلى الصراط المستقيم.
فلا بد لطلاب العلم أن يعوا واقع الحال، وعظم المسؤولية، وأن يتصدوا للقضية العظمى، والمهمة الكبرى، وهي إخراج الناس من ظلمات الشرك والخرافة والبدع والمحدثات الدخيلة إلى نور الإسلام وصفاء التوحيد، وألا يشغلوا أنفسهم أو غيرهم بأمور لا فائدة فيها، وربما أفسدت أكثر مما أصلحت، وخربت أكثر مما عمرت، كما يجب أن يكون الشباب المسلم على جانب كبير في فقه الدعوة، يبدأون فيه بهمات الدين وكبرى قضاياه، من توحيد الله تعالى، وتحذير من الشرك والكفر بصوره وأشكاله، وألوانه، ويثنون بواجبات الدين وأركانه العظام، من الصلاة، والزكاة والصيام والحج، وما يتعلق بها من الأحكام، والأعمال. مع التحذير من البدع، والخرافات، والانحرافات.
كما يجب أن يركز في هذا الجانب على قضايا بدأت في الزوال، والأفول من واقع المسلمين، ولم يبق منها إلا صبابة قليلة، مثل أخوة الدين، وما يترتب عليها من حقوق بين المسلمين من النصرة، والنصح، والإعانة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبذل الجود، وأن ذلك من الأمور المهمة في البناء، وقد أولاها الرسول صلى الله عليه وسلم من الاهتمام ما لا يخفى على أحد من طلاب العلم، ويكفي في ذلك تلك المؤآخاة التاريخية التي أبرمها بين المهاجرين والأنصار، حتى أصبحت مثلاً يحتذى على مدى العصور والأزمان.
¥