و قد جاءت أحاديث صريحة بخلافه , منها حديث ابن عباس: أن سعد بن عبادة قال: يا رسول الله! إن أمي توفيت - و أنا غائب عنها - فهل ينفعها إن تصدقت بشيء عنها ? قال: نعم.
و هو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 172) و " صحيح أبي داود " (2566) و في معناه أحاديث أخرى مذكورة هناك.
أقول: فلعل الجمع بينه و بينها أن يحمل على أن الرجل السائل كان فقيرا محتاجا , و لذلك أمره بأن يمسك ماله. و يؤيده أنه صلى الله عليه وسلم لم يجبه على سؤاله: فهل ينفعها إن تصدقت عنها ? بقوله مثلا: " لا " , و إنما قال له: " احبس عليك مالك " , أي لحاجته إليه. هذا ما بدا لي. و الله أعلم.
أخذه صلى الله عليه وسلم زكاة الحلي وتوزيعه إياها
2978 - (" يا فاطمة! (هي بنت قيس) إن الحق [عز وجل] لم يبق لك شيئا. قاله صلى الله عليه وسلم لها حين قالت: خذ من طوقي الذهبي ما فرض الله).
أخرجه أبو الشيخ في جزئه " انتقاء ابن مردويه " (83/ 30 - طبع الرشد) , قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث حدثنا محمد بن المغيرة حدثنا النعمان حدثنا أبو بكر: أخبرني شعيب بن الحباب عن الشعبي قال: سمعت فاطمة بنت قيس رضي الله عنها تقول: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بطوق فيه سبعون مثقالا من ذهب , فقلت: يا رسول الله! خذ منه الفريضة التي جعل الله فيه. قالت: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مثقالا و ثلاثة أرباع مثقال , فوجهه. قالت: فقلت: يا رسول الله! خذ منه الذي جعل الله فيه. قالت: فقسم رسول الله على هذه الأصناف الستة , و على غيرهم , فقال: فذكره. [قالت:] قلت: يا رسول الله! رضيت لنفسي ما رضي الله عز وجل به و رسوله.
قلت: و في الحديث دلالة صريحة على أنه كان معروفا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الزكاة على حلي النساء , و ذلك بعد أن أمر صلى الله عليه وسلم بها في غير ما حديث صحيح كنت ذكرت بعضها في " آداب الزفاف " , و لذلك جاءت فاطمة بنت قيس رضي الله عنها بطوقها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليأخذ زكاتها منه , فليضم هذا الحديث إلى تلك , لعل في ذلك ما يقنع الذين لا يزالون يفتون بعدم وجوب الزكاة على الحلي , فيحرمون بذلك الفقراء من بعض حقهم في أموال زكاة الأغنياء!
و قد يحتج به بعضهم على جواز الذهب المحلق للنساء , و الجواب هو الجواب المذكور في الأحاديث المشار إليها آنفا , فراجعه إن شئت في " الآداب ".
على أن هذا ليس فيه أنها تطوق به , بخلاف بعض تلك الأحاديث , فيحتمل أن فاطمة رضي الله عنها كان قد بلغها الحكمان: النهي عن طوق الذهب , فانتهت منه , و وجوب الزكاة , فبادرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليأخذ منه الزكاة , و هذا هو اللائق بها و بدينها رضي الله عنها.
كتاب الصيام
صفة الفجر الذي يوجب الامساك
2031 - (كلوا و اشربوا و لا يهيدنكم الساطع المصعد , فكلوا و اشربوا حتى يعترض لكم الأحمر).
أخرجه أبو داود (1/ 369 - 370) و الترمذي (705) و ابن خزيمة (1930) و الدارقطني (ص 231) من طريق عبد الله بن النعمان السحيمي قال: " أتاني قيس ابن طلق في رمضان في آخر الليل بعدما رفعت يدي من السحور لخوف الصبح , فطلب مني بعض الإدام , فقلت له: "يا عماه! لو كان بقي عليك من الليل شيء لأدخلتك إلى طعام عندي و شراب , قال: عندك؟ فدخل , فقربت إليه ثريدا و لحما و نبيذا , فأكل و شرب و أكرهني فأكلت و شربت , و إني لوجل من الصبح , ثم قال حدثني طلق ابن علي أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " فذكره , و السياق للدارقطني.
قوله: (و لا يهيدنكم): أي: لا تنزعجوا للفجر المستطيل فتمتنعوا به عن السحور , فإنه الصبح الكاذب. و أصل (الهيد): الحركة. "نهاية".
¥