و الآخر: أنني اجتمعت مع أحد الأطباء هنا في (عمان) , فأخذ يحدثني ببعض اكتشافاته الطبية - و زملاؤه من الأطباء في ريب منها كما أفاد هو - منها أن بجانب السرة من كل شخص مضغة صغيرة هي سبب الصحة و المرض , و أنه يعالج هو بها الأمراض , و أنها هي المقصودة - زعم - بقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: " إذا صلحت .. " , فلما عارضته بقوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: " ألا و هي القلب ". قال: " هذه الزيادة غير صحيحة ". قلت: كيف و هي في الحديث عند البخاري ?! قال: هل البخاري معصوم ? قلت: لا , و لكن تخطئته لابد لها من دليل , ببيان ما يدل على ما ذكرت من ضعفها. قال: هي مدرجة! قلت: من قال ذلك من علماء الحديث , فإن لكل علم أهله المتخصصين به. قال: سمعت ذلك من أحد كبار علماء الحديث في مصر.
و قد سماه يومئذ , و لم أحفظ اسمه جيدا. فقلت: إن كان قال ذلك فهو دليل على أنه ليس كما وصفته في العلم بالحديث , فإنه مجرد دعوى لم يسبق إليها , و لا دليل عليها.
ثم قلت له: يبدو من كلامك أنك تفهم بالحديث أنه يعني الصلاح و الفساد الماديين ? قال: نعم. قلت له: هذا خطأ آخر , ألا تعلم أن الحديث تمام
حديث أوله: " إن الحلال بين و الحرام بين .. " الحديث , و فيه: " فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه و عرضه " الحديث , فهذا صريح في أنه في الصلاح و الفساد المعنويين. فلم يجب عن ذلك بشيء سوى أنه قال: لو أراد ذلك لقال: " ألا و إن في الإنسان .. " مكان " الجسد "! قلت: هذا غير لازم , فإنهما بمعنى واحد , و بذلك فسره العلماء , فيجب الرجوع إليهم , و ليس إلى الأطباء! و لم أكن مطلعا يومئذ على هذا اللفظ الذي أنكره , فبادرت إلى تخريجه بعيد وقوفي عليه , لعل في ذلك ما يساعده و أمثاله على الرجوع إلى الصواب. و الله الهادي.
و قد جرنا الحديث إلى التحدث عن القلب و أنه مقر العقل و الفهم , فأنكر ذلك , و ادعى أن العقل في الدماغ , و أن القلب ليس له عمل سوى دفع الدم إلى أطراف البدن.
قلت: كيف تقول هذا و قد قال الله تعالى في الكفار: * (لهم قلوب لا يفقهون بها) * , و قال: * (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور) * ?! فحاول تأويل ذلك على طريقة بعض الفرق الضالة في تعطيل دلالات النصوص , و قلت له: هذه يا دكتور قرمطة لا تجوز , ربنا يقول: * (القلوب التي في الصدور) * لا في الرؤوس!
و أقول الآن: من فوائد الحديث قول الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (1/ 128 - 129): " و فيه تنبيه على تعظيم قدر القلب و الحث على صلاحه , والإشارة إلى أن لطيب الكسب أثرا فيه , و المراد المتعلق به من الفهم الذي ركبه الله فيه.
و يستدل به على أن العقل في القلب. و منه قوله تعالى: * (فتكون لهم قلوب يعقلون بها) * , و قوله تعالى: * (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) *. قال المفسرون: أي عقل , و عبر عنه بالقلب لأنه محل استقراره ".
ثم إن تلك الزيادة التي أنكرها الطبيب المشار إليه يشهد لها آيات كثيرة في القرآن الكريم , جاء فيها وصف القلب بالإيمان و الاطمئنان و السلامة , و بالإثم , و المرض و الختم و الزيغ و القسوة , و غير ذلك من الصفات التي تبطل دعوى أنه ليس للقلب وظيفة غير تلك الوظيفة المادية من ضخ الدم. فأسأل الله تعالى أن يطهر قلوبنا من المرض و الزيغ , و اتباع جهل الجاهلين من الكفار و غيرهم.
كتاب التاريخ والسيرة وفضائل الصحابة
من فضائل علي ومعني الموالاة
2223 - (ما تريدون من علي؟ إن عليا مني و أنا منه و هو ولي كل مؤمن بعدي).
¥