في المجلد الرابع برقم (1750).
فمن العجيب حقا أن يتجرأ شيخ الإسلام ابن تيمية على إنكار هذا الحديث و تكذيبه في " منهاج السنة " (4/ 104) كما فعل بالحديث المتقدم هناك , مع تقريره رحمه الله أحسن تقرير أن الموالاة هنا ضد المعاداة و هو حكم ثابت لكل مؤمن , و علي رضي الله عنه من كبارهم , يتولاهم و يتولونه. ففيه رد على الخوارج و النواصب , لكن ليس في الحديث أنه ليس للمؤمنين مولى سواه , و قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أسلم و غفار و مزينة و جهينة و قريش و الأنصار موالي دون الناس , ليس لهم مولى دون الله و رسوله ". فالحديث ليس فيه دليل البتة على أن عليا رضي الله عنه هو الأحق بالخلافة من الشيخين كما تزعم الشيعة لأن الموالاة غير الولاية التي هي بمعنى الإمارة , فإنما يقال فيها: والي كل مؤمن. هذا كله من بيان شيخ الإسلام و هو قوي متين كما ترى , فلا أدري بعد ذلك وجه تكذيبه للحديث إلا التسرع و المبالغة في الرد على الشيعة , غفر الله لنا و له.
عائشة رضي الله عنها محفوظة غير معصومة
2507 - (أما بعد يا عائشة! فإنه قد بلغني عنك كذا و كذا , [إنما أنت من بنات آدم] , فإن كنت بريئة فسيبرئك الله , و إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله و توبي إليه , فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه. و في رواية: فإن التوبة من الذنب الندم).
أخرجه البخاري (8/ 363 - 364 - فتح) و مسلم (8/ 116) و أحمد (6/ 196) و الرواية الأخرى له (6/ 364) و أبو يعلى (3/ 1208و1218) و الطبري في "التفسير" (18/ 73و75) و البغوي (6/ 74) من حديث عائشة رضي الله عنها , في حديثها الطويل عن قصة الإفك , و نزول الوحي القرآني ببراءتها في آيات من سورة النور: (إن الذين جاؤا بالإفك عصبة منكم ... ) الآيات (11 - 20) , و الزيادة التي بين المعقوفتين هي لأبي عوانة في " صحيحه " , و الطبراني في " معجمه " كما في " الفتح " (8/ 344و364).
و قوله: " ألممت ". قال الحافظ: أي وقع منك على خلاف العادة , و هذا حقيقة الإلمام , و منه: ألمت بنا و الليل مرخ مستورة. قال الداوودي: "أمرها بالاعتراف , و لم يندبها إلى الكتمان , للفرق بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم و غيرهن , فيجب على أزواجه الاعتراف بما يقع منهن و لا يكتمنه إياه , لأنه لا يحل لنبي إمساك من يقع منها ذلك بخلاف نساء الناس , فإنهن ندبن إلى الستر".
ثم تعقبه الحافظ نقلا عن القاضي عياض فيما ادعاه من الأمر بالاعتراف , فليراجعه من شاء , لكنهم سلموا له قوله: إنه لا يحل لنبي إمساك من يقع منها ذلك. و ذلك غيرة من الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم , و لكنه سبحانه صان السيدة عائشة رضي الله عنها وسائر أمهات المؤمنين من ذلك كما عرف ذلك من تاريخ حياتهن , و نزول التبرئة بخصوص السيدة عائشة رضي الله عنها , و إن كان وقوع ذلك ممكنا من الناحية النظرية لعدم وجود نص باستحالة ذلك منهن , و لهذا كان موقف النبي صلى الله عليه وسلم في القصة موقف المتريث المترقب نزول الوحي القاطع للشك في ذلك الذي ينبئ عنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الترجمة: "إنما أنت من بنات آدم , فإن كنت بريئة فسيبرئك الله , و إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله .. " , و لذلك قال الحافظ في صدد بيان ما في الحديث من الفوائد: "و فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يحكم لنفسه إلا بعد نزول الوحي. نبه عليه الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به". يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقطع ببراءة عائشة رضي الله عنها إلا بعد نزول الوحي. ففيه إشعار قوي بأن الأمر في حد نفسه ممكن الوقوع , و هو ما يدندن حوله كل حوادث القصة و كلام الشراح عليها , و لا ينافي ذلك قول الحافظ ابن كثير (8/ 418) في تفسير قوله تعالى: (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح و امرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا و قيل ادخلا النار مع الداخلين) التحريم 10. " و ليس المراد بقوله: (فخانتاهما) في فاحشة , بل في الدين , فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة لحرمة الأنبياء كما قدمنا في سورة النور". و قال هناك (6/ 81): "ثم قال تعالى: (و تحسبونه هينا و هو عند الله عظيم) , أي: تقولون ما تقولون في شأن
¥