عن أبيه قال: سمعت سالم بن عبد الله بن عمر يقول: يا أهل العراق! ما أسألكم عن الصغيرة , و أركبكم للكبيرة! سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول: فذكره مرفوعا.
الثالثة: عن عبد الله بن دينار عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى المشرق فقال: فذكره , مثل رواية سالم الأولى , إلا أنه كرر الجملة
مرتين. أخرجه مالك (3/ 141 - 142) و البخاري (2/ 321و3/ 471) و أحمد (2/ 23, 50, 73, 110) , و كرر الجملة ثلاثا في رواية له و السياق للبخاري.
الرابعة: عن بشر بن حرب: سمعت ابن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم بارك لنا في مدينتنا , و في صاعنا و مدنا و يمننا و شامنا. ثم استقبل مطلع الشمس فقال: من ههنا يطلع قرن الشيطان من ههنا الزلازل و الفتن". أخرجه أحمد (2/ 126) و رجاله ثقات رجال مسلم , غير بشر هذا فإنه لين. لكن يشهد له حديث توبة العنبري عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. إلى قوله: "و شامنا" مع تقديم و تأخير و زاد: "فقال رجل: يا رسول الله! و في عراقنا؟ فأعرض عنه , فقال: فيها الزلازل و الفتن و بها يطلع قرن الشيطان". أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (6/ 133) و إسناده صحيح. و له طريق أخرى عند الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 201/1) عن ابن عمر نحوه و فيه: "فلما كان في الثالثة أو الرابعة قالوا: يا رسول الله! و في عراقنا؟ ... " الحديث. و إسناد صحيح أيضا. و أصله عند البخاري و أحمد فراجع له كتابي "تخريج فضائل الشام" (ص9 - 10). و قد تقدم تخريجه و الذي قبله برقم (2246) بزيادة. ثم إن للحديث شاهدا من رواية أبي مسعود مرفوعا بلفظ: "من ههنا جاءت الفتن نحو المشرق و الجفاء و غلظ القلوب في الفدادين ... " الحديث. أخرجه البخاري (2/ 382).
قلت: و طرق الحديث متضافرة على أن الجهة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي المشرق , و هي على التحديد العراق كما رأيت في بعض الروايات الصريحة , فالحديث علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم , فإن أول الفتن كان من قبل المشرق , فكان ذلك سببا للفرقة بين المسلمين , و كذلك البدع نشأت من تلك الجهة كبدعة التشيع و الخروج و نحوها. و قد روى البخاري (7/ 77) و أحمد (2/ 85, 153) عن ابن أبي نعم قال:" شهدت ابن عمر و سأله رجل من أهل العراق عن محرم قتل ذبابا فقال: يا أهل العراق! تسألوني عن محرم قتل ذبابا , و قد قتلتم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم , و قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هما ريحانتي في الدنيا".
و إن من تلك الفتن طعن الشيعة في كبار الصحابة رضي الله عنهم , كالسيدة عائشة الصديقة بنت الصديق التي نزلت براءتها من السماء , فقد عقد عبد الحسين الشيعي المتعصب في كتابه "المراجعات" (ص237) فصولا عدة في الطعن فيها و تكذيبها في حديثها , و رميها بكل واقعة , بكل جرأة و قلة حياء , مستندا في ذلك إلى الأحاديث الضعيفة و الموضوعة , و قد بينت قسما منها في "الضعيفة" (4963 - 4970) مع تحريفه للأحاديث الصحيحة , و تحميلها من المعاني ما لا تتحمل كهذا الحديث الصحيح , فإنه حمله - فض فوه و شلت يداه - على السيدة عائشة رضي الله عنها زاعما أنها هي الفتنة المذكورة في الحديث - (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا) معتمدا في ذلك على الروايتين المتقدمتين:
الأولى: رواية البخاري: فأشار نحو مسكن عائشة ...
و الأخرى: رواية مسلم: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة فقال: رأس الكفر من ههنا ... فأوهم الخبيث القراء الكرام بأن الإشارة الكريمة إنما هي إلى مسكن عائشة ذاته , و أن المقصود بالفتنة هي عائشة نفسها!
¥