تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و الخلاصة أن القول الثاني ثم أضعف الأقوال لأنه لا دليل عنده إلا الرأي , مع مخالفة النص , و يليه القول الأول لأن ابن حزم الذي قال به ادعى أن حديث الترجمة منسوخ بأحاديث النهي عن بيعتين في بيعة , و هذه دعوى مردودة لأنها خلاف الأصول , فإنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع , و هذا من الممكن هنا بيسر , فانظر مثلا حديث ابن مسعود , فإنك تجده مطابقا لهذه الأحاديث , و لكنه يزيد عليها ببيان علة النهي , و أنها (الربا). و حديث الترجمة يشاركه في ذلك , و لكنه يزيد عليه فيصرح بأن البيع صحيح إذا أخذ الأوكس , و عليه يدل حديث ابن مسعود أيضا لكن بطريق الاستنباط على ما تقدم بيانه. هذا ما بدا لي من طريقة الجمع بين الأحاديث و التفقه فيها , و ما اخترته من أقوال العلماء حولها , فإن أصبت فمن الله , و إن أخطأت فمن نفسي , و الله أسأل أن يغفره لي و كل ذنب لي. و اعلم أخي المسلم! أن هذه المعاملة التي فشت بين التجار اليوم , و هي بيع التقسيط , و أخذ الزيادة مقابل الأجل , و كلما طال الأجل زيد في الزيادة , إن هي إلا معاملة غير شرعية من جهة أخرى لمنافاتها لروح الإسلام القائم على التيسير على الناس و الرأفة بهم , و التخفيف عنهم كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله عبدا سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى , سمحا إذا اقتضى". رواه البخاري. و قوله: من كان هينا , لينا , قريبا حرمه الله على النار". رواه الحاكم و غيره , و قد سبق تخريجه برقم (938). فلو أن أحدهم اتقى الله تعالى , و باع بالدين أو بالتقسيط بسعر النقد , لكان أربح له حتى من الناحية المادية لأن ذلك مما يجعل الناس يقبلون عليه و يشترون من عنده و يبارك له في رزقه , مصداق قوله عز وجل: (و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب). و بهذه المناسبة أنصح القراء بالرجوع إلى رسالة الأخ الفاضل عبد الرحمن عبد الخالق: "القول الفصل في بيع الأجل" فإنها فريدة في بابها , مفيدة في موضوعها , جزاه الله خيرا.

تحريم الخمر وبيعها

2348 - (إن الله تعالى حرم الخمر , فمن أدركته هذه الآية و عنده منها شيء , فلا يشرب و لا يبع).

أخرجه مسلم (5/ 39) و أبو يعلى في "مسنده" (2/ 320/1056) قالا - و السياق لمسلم -: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى أبو همام حدثنا سعيد الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بالمدينة قال: "يا أيها الناس إن الله تعالى يعرض بالخمر , و لعل الله سينزل فيها أمرا , فمن كان عنده منها شيء , فليبعه و لينتفع به". فما لبثنا إلا يسيرا حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. قال: فاستقبل الناس بما كان عندهم منها في طرق المدينة فسفكوها. (سفكوها): أي: أراقوها. و من هذا الوجه أخرجه البيهقي في "السنن" (6/ 11).

و الظاهر أن الآية التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم هي قوله تعالى في سورة المائدة (91): (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة و البغضاء في الخمر و الميسر و يصدكم عن ذكر الله و عن الصلاة فهل أنتم منتهون). و هو آخر آية أنزلت في تحريم الخمر كما يبدو من حديث عمر المروي في الترمذي و غيره , و قد صححه ابن المديني كما في "تفسير ابن كثير" (2/ 92) و لعله من شواهده المذكورة في "الدر المنثور" (2/ 314 - 316) و صححه الحاكم (4/ 143) و وافقه الذهبي.

و في الحديث فائدة هامة , و هي الإشارة إلى أن الخمر طاهرة مع تحريمها , و إلا لم يرقها الصحابة في طرقهم و ممراتهم و لأراقوها بعيدة عنها , كما هو شأن النجاسات كلها , كما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا اللاعنين". قالوا: و ما اللاعنان؟ قال: "الذي يتخلى في طريق الناس , أو في ظلهم". رواه مسلم و غيره , و هو مخرج في "الإرواء" (1/ 100 - 101) و غيره.

و قد اختلف الناس في ذلك , و قد قال كثير من الأئمة المتقدمين بطهارتها , مثل ربيعة الرأي و الليث بن سعد , و كثير من المحدثين و غيرهم , و قد كنت فصلت القول في ذلك في "تمام المنة في التعليق على فقه السنة" , و قد تم طبعه و الحمد لله , و أصبح في متناول أيدي القراء.

من آداب الطريق

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير