و اعلم أنه قد ذهب بعض الأئمة كأبي حنيفة و صاحبه محمد إلى كراهة المعانقة , حكاه عنهما الطحاوي خلافا لأبي يوسف.
و منهم الإمام مالك , ففي " الآداب الشرعية " (2/ 278): " و كره مالك معانقة القادم من سفر , و قال: " بدعة " , و اعتذر عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بجعفر حين قدم , بأنه خاص له , فقال له سفيان: ما تخصه بغير دليل , فسكت مالك. قال القاضي: و سكوته دليل لتسليم قول سفيان و موافقته , و هو الصواب حتى يقوم دليل التخصيص ".
هذا و قد تقدم في كلام الإمام البغوي قوله بأنه لا يقبل الفم , و بين وجه ذلك الشيخ ابن مفلح في " الآداب الشرعية " , فقال (2/ 275): " و يكره تقبيل الفم , لأنه قل أن يقع كرامة ".
و يبدو لي من وجه آخر , و هو أنه لم يرو عن السلف , و لو كان خيرا لسبقونا إليه , و ما أحسن ما قيل: و كل خير في اتباع من سلف و كل شر في ابتداع من خلف. فالعجب من ذاك الدكتور الحلبي القصاص الواعظ الذي نصب نفسه للرد على علماء السلفيين و أتباعهم , و تتبع عثراتهم , و أقوالهم المخالفة لأقوال العلماء بزعمه , و ينسى نفسه , فقد سمعت له شريطا ينكر فيه على أحدهم عدم شرعية تقبيل الفم , و يصرح بأنه كتقبيل الجبهة و اليد و أنه لا فرق! فوقع في المخالفة التي ينكرها على السلفيين , و لو أن أحدا منهم قاس هذا القياس (البديع!) لأبرق و أرعد و صاح و تباكى , و حشد كل ما يستطيع حشده من أقوال العلماء! و أما هو فلا بأس عليه من مخالفتهم! * (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) *. أصلحه الله و هداه.
موضع الإزار
2682 - (يا عمرو! إن الله عز وجل قد أحسن كل شيء خلقه. يا عمرو! - و ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع أصابع من كفه اليمنى تحت ركبة عمرو فقال: - هذا موضع الإزار , ثم رفعها , [ثم ضرب بأربع أصابع تحت الأربع الأولى ثم قال: يا عمرو! هذا موضع الإزار] , ثم رفعها , ثم وضعها تحت الثانية , فقال: يا عمرو! هذا موضع الإزار).
أخرجه أحمد (4/ 200): حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الوليد بن سليمان أن القاسم بن عبد الرحمن حدثهم عن عمرو بن فلان الأنصاري قال: بينا هو يمشي قد أسبل إزاره , إذ لحقه رسول الله صلى الله عليه وسلم , و قد أخذ بناصية نفسه , و هو يقول: " اللهم عبدك ابن عبدك ابن أمتك ". قال عمرو: فقلت: يا رسول الله! إني رجل حمش الساقين. فقال: فذكره. و أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (8/ 277 / 7909).
قلت: و له شاهد من حديث أبي أمامة قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لحقنا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة , إزار و رداء , قد أسبل , فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بناحية ثوبه , و يتواضع لله , و يقول: " اللهم عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك ". حتى سمعها عمرو بن زرارة .. الحديث نحوه , و زاد: " يا عمرو بن زرارة إن الله لا يحب المسبل ". قال الهيثمي: " رواه الطبراني بأسانيد , و رجال أحدها ثقات ". و للزيادة شاهد في " شعب الإيمان " (2/ 222 / 2) و آخر سيأتي أول المجلد التاسع برقم (4004) و له شاهد ثالث يرويه عمرو بن الشريد يحدث عن أبيه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم تبع رجلا من ثقيف حتى هرول في أثره , حتى أخذ بثوبه فقال: " ارفع إزارك ". فكشف الرجل عن ركبتيه. فقال: يا رسول الله! إني أحنف , و تصطك ركبتاي , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل خلق الله عز وجل حسن ". قال: و لم ير ذلك الرجل إلا و إزاره إلى أنصاف ساقيه حتى مات ".
قلت: و إسناده صحيح على شرط الشيخين , و قد مضى برقم (1441). و يشهد لبعضه حديث حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " موضع الإزار إلى أنصاف الساقين و العضلة , فإن أبيت فأسفل , فإن أبيت فمن وراء الساق , و لا حق للكعبين في الإزار "
¥