و إن من جهل هذا (الأثري) المزعوم و غباوته أنه رغم تقريره (ص 71 و 138) أن: "منهج أهل السنة و الجماعة التوقف في المسائل الغيبية عندما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, و أنه ليس لأحد مهما كان شأنه أن يضيف تفصيلا, أو أن ينقص ما ثبت بالدليل , أو أن يفسر ظاهر الآيات وفق هواه , أو بلا دليل ".
أقول: إنه رغم تقريره لهذا المنهج الحق الأبلج , فإنه لم يقف في هذه المسألة الغيبية عند حديث الترجمة الصحيح. بل خالفه مخالفة صريحة لا تحتاج إلى بيان ,و كنت أظن أنه على جهل به , حتى رأيته قد ذكره نقلا عن غيره (ص 4) من الملحق بآخر كتابه , فعرفت أنه تجاهله , و لم يخرجه مع حديث يعلى و غيره مما سبقت الإشارة إليه (ص 1002).
و كذلك لم يقدم أي دليل من الكتاب و السنة على ما زعمه من الاستحالة , بل توجه بكليته إلى تأويل قوله تعالى المؤيد للدخول الذي نفاه: * (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) * تأويلا ينتهي به إلى إنكار (المس) - الذي فسره العلماء بالجنون - و إلى موافقة بعض الأشاعرة و المعتزلة! الذين فسروا (المس) بوسوسة الشيطان المؤذية! و هذا تفسير بالمجاز , و هو خلاف الأصل , و لذلك أنكره أهل السنة كما سيأتي , و هو ما صرح به نقلا عن الفخر الرازي الأشعري (ص 76 و 78): " كأن الشيطان يمس الإنسان فيجن "! و نقل (ص 89) عن غيره أنه قال: " كأن الجن مسه "! و عليه خص المس هذا بمن خالف شرع الله , فقال (ص 22): " و ما كان ليمس أحد (كذا غير منصوب!) إلا بالابتعاد عن النهج المرسوم "!
و لو سلمنا جدلا أن الأمر كما قال , فلا يلزم منه عند العلماء ثبوت دعوى النفي , لإمكان وجود دليل آخر على الدخول كما في هذا الحديث الصحيح , بينما توهم الرجل أنه برده دلالة الآية على الدخول ثبت نفيه إياه , و ليس الأمر كذلك لو سلمنا برده , فكيف و هو مردود عليه بهذا الحديث الصحيح , و بحديث يعلى المتقدم و بهما تفسر الآية , و يبطل تفسيره إياها بالمجاز.
و من جهل الرجل و تناقضه أنه بعد أن فسر الآية بالمجاز الذي يعني أنه لا (مس) حقيقة , عاد ليقول (ص 93): " و اللغة أجمعت على أن المس: الجنون ". و لكنه فسره على هواه فقال: أي من الخارج لا من الداخل , قال: " ألا ترى مثلا إلى الكهرباء و كيف تصعق المماس لها من الخارج ... " إلخ هرائه. فإنه دخل في تفاصيل تتعلق بأمر غيبي قياسا على أمور مشاهدة مادية , و هذا خلاف المنهج السلفي الذي تقدم نقله عنه , و مع ذلك فقد تعامى عما هو معروف في علم الطب أن هناك جراثيم تفتك من الداخل كجرثومة (كوخ) في مرحلته الثالثة! فلا مانع عقلا أن تدخل الجان من الخارج إلى بدن الإنسان , و تعمل عملها و أذاها فيه من الداخل , كما لا مانع من خروجها منه بسبب أو آخر , و قد ثبت كل من الأمرين في الحديث فآمنا به , و لم نضربه كما فعل المعتزلة و أمثالهم من أهل الأهواء , و هذا المؤلف (الأثري) - زعم - منهم. كيف لا و قد تعامى عن حديث الترجمة , فلم يخرجه البتة في جملة الأحاديث الأخرى التي خرجها و ساق ألفاظها من (ص 111) إلى (ص 126) - و هو صحيح جدا - كما رأيت , و هو إلى ذلك لم يأخذ من مجموع تلك الأحاديث ما دل عليه هذا الحديث من إخراجه صلى الله عليه وسلم للشيطان - من ذاك المجنون - , و هي معجزة عظيمة من معجزاته صلى الله عليه وسلم , بل نصب خلافا بين رواية " اخرج عدو الله " و رواية " اخسأ عدو الله" , فقد أورد على نفسه (ص 124) قول بعضهم: " إن الإمام الألباني قد صحح الحديث " , فعقب بقوله: " فهذا كذب مفترى , انظر إلى ما قاله الشيخ الألباني لتعلم الكذب: المجلد الأول من سلسلته الصحيحة ص 795 ح 485 ". ثم ساق كلامي فيه , و نص ما في آخره كما تقدم: " و بالجملة فالحديث بهذه المتابعات جيد.والله أعلم ".
قلت: فتكذيبه المذكور غير وارد إذن , و لعل العكس هو الصواب! و قد صرح هو بأنه ضعيف دون أي تفصيل (ص 22) , و اغتر به البعض!
¥