[الأحاديث الضعيفة وتخبطات المعاصرين]
ـ[ابن عدي]ــــــــ[02 - 04 - 02, 02:40 ص]ـ
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى:
إعلم علمني الله وإياك، أن للحذاق في هذه الصناعة، طريقة معلومة، وسنّة متبعة، في التعامل مع الأحاديث الضعيفة، سواء في مقام الرواية الحديثية أو الدراية الفقهية، ولست أبيح سرا إن قلت لك إن كثيرا من المعاصرين لم يتمكنوا من فهم طريقة الأئمة المتقدمين في التعامل مع الحديث الضعيف بعد!
فالمسألة تحتاج إلى بسط وبيان ومناقشة، لا يتسع المقام لطرحها والتفتيش عن مكنونها.
فشدّد قوم في هذه المسأله في كل محفل، وتساهل آخرون حتى إحتجوا بالأباطيل والأكاذيب والموضوعات، وفصّل قوم في هذا الشأن باتباع ما ورد عن الأئمة في هذا الباب.
وعلى هذا، وجد هؤلاء الذين شددوا، عددا من الأحاديث لا تصح بالنسبة لأسانيدها من حيث الصناعة الحديثيه، لكن المتقدمين أطبقوا على قبولها و العمل بمقتضاها والحكم بما دلت عليه، فاستنكروا ذلك منهم وتعجبوا من صنيعهم.
ومعاذ الله .. أن أعني بالحديث الضعيف ماكان رواته من الهلكى والوضاعين، بل قصدت ماكان راويه سيء الحفظ، ومن وقع في حديثه الوهم والغلط.
فقد غلا قوم وحديثي معهم في هذا الشأن، وفرّقوا كتب الأئمة شذر مذر، فقام أحدهم مثلا بتصنيف كتاب أسماه إيقاظ الهمم من جامع العلوم والحكم!!
وعمله يتلخص في الاستدراك على الحافظ ابن رجب رحمه الله، فقام بحذف الأحاديث الضعيفة من الكتاب، بل والأحاديث التي يكون فيها ضعف وتذكر استطرادا في أثناء الشرح، ويضع بدلا منها آراءه وخطراته.
وأنا أسأل هذا المؤلف سؤالا وهو لازم له لا محالة .. هل كان شرح كل هؤلاء الأئمة لهذه الأحاديث الضعيفة، وتتابعهم على اعتبارها والاستنباط منها، مضيعة عمر، وسوء فهم، ولا ميزان له في باب النقد العلمي ... والله إنها لبلية تحير السامع!
وهذا المؤلف المذكور كتابه أعلاه، لا يعرف أحاديث في صحيح مسلم، دع عنك مادون ذلك، كما في ص80، قال النبي صلى الله عليه وسلم: من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يوما، فعزاه إلى مسلم وهو عند مسلم بلفظ: كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب، لم يشربه في الآخرة.
فمادام صاحبنا لا يعرف الحديث الذي في صحيح مسلم، فكيف يستدرك على الحفاظ طرائقهم، وينتقد مناهجهم.
بل رأيت أدهى من ذلك وأمر، فأحد من ابتلينا بهم، خرج علينا بكتاب أسماه صحيح حادي الأرواح، وهذا باب تشويق، يستأنس بما ورد فيه ولا يشدد فيه عاقل.
بل رأيت أدهى من ذلك وأمر، فأحدهم ألف كتابا وأسماه تبصرة أولي الأحلام من قصص فيها كلام، وهذا باب قصص وحكايات، فيستأنس بها وتروى، ولا يشدد فيها يا قوم.
هم ظاهرية جديدة، يظنون أن المسألة تعتمد فقط على تصحيح الحديث من ضعفه، وهذا أمر هام ولا جدال فيه .. ولكن هنالك أمور أخرى لا يفقهونها، ولا يعيرونها اهتماما، ولا يلقون لها بالا، ويدعون أنهم أهل التحقيق ونبذ التقليد.
وعليه، فإن رواية الحديث ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم والعمل به شيء، ودراية الحديث وموافقته لمقاصد الشريعة شيء آخر.
فمثلا الحديث الذي رواه ابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه بلفظ: إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه.
فزيادة إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه.
قال النووي: اتفق المحدثون على تضعيفه لأن في إسناده رشدين بن سعد متفق على ضعفه، ونقل ابن حبان: الإجماع على العمل بمقتضاه.
مثال آخر: حديث من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه، ضعفه جمع من الحفاظ، لكنهم أوردوه في كتبهم، فهل كان هؤلاء الأئمة الكبار .. جهلة أغمار أم كذبة فجار؟
فلا والله وحاشاهم .. ولكن لعلمهم بأن هذا الحديث مصدّق في الجملة لغيره من الأحاديث، وموافق لمقاصد الشريعة وحكمها، لذا أوردوه في كتبهم، وقاموا بشرحه وبيانه والتعويل على معناه.
مثال آخر: قال ابن الجوزي في العلل المتناهية 657:: قال أحمد بن حنبل: ليس في قطع السدر حديث صحيح، وكان بعد هذا يكره قطعه.
يستخلص من هذا أن كثيرا من الأحاديث التي لا تنهض لدرجة القبول، أحب وأطيب عند الأئمة المتقدمين من النظرات العابرة والمفاهيم المحدثة القاصرة.
والحديث ذو شجون وفيما ذكرت كفاية، ولا أعدم المداخلات النافعة لإثراء هذا المبحث الهام، والذي كثر خلط المعاصرين فيه.
ـ[أبو محمد الموحد]ــــــــ[02 - 04 - 02, 03:08 ص]ـ
كلام ممتاز جدا اخي ابن عدي.
كنت افكر في نفسي عن هذا الموضوع كثيرا، احسنت احسنت احسنت.
ـ[خليل بن محمد]ــــــــ[02 - 04 - 02, 03:11 م]ـ
أحسن الله إليك أخي الفاضل (ابن عدي)
فقد اشتقنا ــ والله ــ لمشاركاتك الرائعة، فأتمنى ألا تحرمنا منها.
بارك الله فيك ونفع بك.
¥