قلت: ولعل هذا هو السبب أو على الأقل من أسباب عدم حصول الفائدة من كثير من الدروس والمحاضرات التي تلقى على الطلاب أنها لا تفتتح بالتشهد المذكور , مع حرص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البالغ على تعليمه أصحابه إياه , كما شرحته في الرسالة المشار إليها , فلعل هذا الحديث يذكر الخطباء بتدارك ما فاتهم من إهمالهم لهذه السنة التي طالما نبهنا عليها في مقدمة هذه السلسلة وغيرها.
الذكر بعد السلام من الفريضة
196 - (كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة [حين يسلم]: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم! لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد).
وفي هذا الحديث مشروعية هذا الذكر بعد السلام من الفريضة , وقد حرم فضله من ذهب إلى عدم مشروعية الزيادة على قوله: (اللهم أنت السلام .... ) , إلخ عقب الفرض وأن ما سواه من الأوراد إنما عقب السنة البعدية , وفي هذا الحديث رد صريح عليهم لا يقبل الرد.
التسمية على الطعام هي بسم الله فقط
344 - (يا غلام إذا أكلت , فقل: بسم الله , وكل بيمينك , وكل مما يليك).
وفي الحديث دليل على أن السنة في التسمية على الطعام إنما هي: " بسم الله " فقط , ومثله حديث عائشة مرفوعاً: (إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ فَإِنْ نَسِيَ فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ).
قال الحافظ: (وأما قول النووي في آداب الأكل من " الأذكار ": " صفة التسمية من أهم ما ينبغي معرفته , والأفضل أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم , فإن قال: بسم الله , كفاه وحصلت السنة " , فلم أر لما ادعاه من الأفضلية دليلاً خاصاً).
وأقول: لا أفضل من سنته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , "وخير الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" , فإذا لم يثبت في التسمية على الطعام إلا "بسم الله " , فلا يجوز الزيادة عليها , فضلاً عن أن تكون الزيادة أفضل منها , لأن القول بذلك خلاف ما أشرنا إليه من الحديث "وخير الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
النهي عن الزيادة في حديثه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
346 - (إِذَا حَدَّثْتُكُمْ حَدِيثًا فَلَا تَزِيدُنَّ عَلَيِْ وَقَالَ أَرْبَعٌ مِنْ أَطْيَبِ الْكَلَامِ وَهُنَّ مِنْ الْقُرْآنِ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ لَا تُسَمِّيَنَّ غُلَامَكَ أَفْلَحًا وَلَا نَجِيحًا وَلَا رَبَاحًا وَلَا يَسَارًا , [فإنك تقول: أثم هو؟ فلا يكون , فيقول: لا]).
في الحديث آداب ظاهرة , وفوائد باهرة , أهمها النهي عن الزيادة في حديثه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا وإن كان معناه في رواية حديثه ونقله , فإنه يدل على المنع من الزيادة فيه تعبداً قصداً للاستزادة من الأجر بها من باب أولى , وأبرز صور هذا الزيادة على الأذكار الواردة الثابتة عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كزيادة " الرحمن الرحيم " في التسمية على الطعام , فكما أنه لا يجوز للمسلم أن يروي قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المتقدم " 344 ": "قل: بسم الله " , بزيادة "الرحمن الرحيم" فكذلك لا يجوز له أن يقول هذه الزيادة على طعامه , لأنه زيادة على النص فعلاً , فهو بالمنع أولى , لأنه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قل بسم الله " , تعليم للفعل , فإذا لم يجز الزيادة في التعليم الذي هو وسيلة للفعل , فلأن لا يجوز الزيادة في الفعل الذي هو الغاية أولى وأحرى , ألست ترى إلى ابن عمر رضي الله عنه أنه أنكر على من زاد الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد الحمد عقب العطاس بحجة أنه مخالف لتعليمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وقال له: (وأنا أقول: الحمد لله , والسلام على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ولكن ليس هكذا علمنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , علمنا إذا عطس أحدنا أن يقول: الحمد لله على كل حال؟) , صحيح الإسناد.
¥