تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- الصنف الأول: العامة الذين لا يستطيعون التدبر، بل قد لا يفهمون جملة كبيرة من آياته، وهؤلاء لاشكَّ أن الأفضل في حقِّهم كثرة القراءة.

وهذا النوع من القراءة مطلوب لذاته لتكثير الحسنات في القراءة على ما جاء في الأثر: ((لا أقول " ألم " حرف، بل ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)).

-الصنف الثاني: العلماء وطلبة العلم، وهؤلاء لهم طريقان في القرآن:

الأول: كطريقة العامة؛ طلبًا لتكثير الحسنات بكثرة القراءة والخَتْمَاتِ.

الثاني: قراءته قصد مدارسة معانيه والتَّدبر والاستنباط منه، وكلٌّ بحسب تخصصه سيبرز له من الاستنباط ما لا يبرز للآخَر، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

وأعود فأقول: إنَّ هذين النوعين من القراءة مما يدخل تحت تنوع الأعمال في الشريعة، وهما مطلوبان معًا، وليس بينهما مناقضة فيُطلب الأفضل، بل كلُّ نوعٍ له وقته، وهو مرتبط بحال صاحبه فيه.

ولا شكَّ أنَّ الفهم أكمل من عدم الفهم، لذا شبَّه بعض العلماء من قرأ سورة من القرآن بتدبر كان كمن قدَّم جوهرة، ومن قرأ كل القرآن بغير تدبر كان كمن قدَّم دراهم كثيرة، وهي لا تصلُ إلى حدِّ ما قدَّمه الأول.

ومما يحسن التنبيه على أمور تتعلق بتلاوة القرآن في رمضان:

الأمر الأول:

أن يتعرف المرء على نفسه، فليس الناس ذوي حال واحدة في العبادة، لكن من الخسارة أن يمرَّ على المسلم رمضان ولم يختم فيه القرآن، وتلك سُنَّةٌ سنَّها جبريل ـ عليه السلام ـ في مراجعة القرآن في رمضان مع رسول صلى الله عليه وسلم، وهي سنة ماضية عند المسلمين منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم.

والملاحظ أنَّ كثيرًا من الناس ينشطون في أول الشهر في أعمال الخير، ومنها تلاوة القرآن، لكن سرعان ما يفترون بعد أيام منه، وترى فيهم الكسل عن هذه الأعمال باديًا.

ولأجل هذا فمن اعتاد من نفسه هذا الأسلوب فإن الأَولى له أن يرتِّب قراءته، ويخصِّص لكل يومٍ جزءًا، فإنه بهذا سيختم القرآن مرَّة في هذا الشهر، ولو استمرَّ على هذا الأسلوب في كل شهور السنة لاستطاع ذلك، والأمر يرجع إلى العزيمة والإصرار.

ولو أنَّ المسلم خصَّص لكل وقت من أوقات الصلوات الخمس أربع صفحاتٍ، فإنه سيقرأ في اليوم عشرين صفحة، وهذا ما يعادلُ جزءًا كاملاً في المصاحف الموجَّه المكتوبة في خمسة عشر سطرًا في الصفحة؛ كمصحف المدينة النبوية.

وبهذه الطريقة يكون مداومًا على عملٍ من أعمال الخير غير منقطع عنه، و"أحبَّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قَلَّ " كما قال صلى الله عليه وسلم.

الأمر الثاني:

يحسن بمن يقرأ القرآن عمومًا، وبمن يقرأه في رمضان على وجه الخصوص = أن يكون معه تفسير مختصرٌ يقرأ فيه ليعلم معاني ما يقرأ، وذلك أدعى إلى تذوُّق القراءة والإحساس بطعم قراءة القرآن، وليس من يدرك المعاني ويعلمها كمن لا يدركها.

ومع أهمية هذا الأمر، فإنك ترى كثيرًا من قارئي القرآن يغفل عنه، ولو خَصَّصَ القارئُ لنفسه كتابَ تفسيرٍ مختصرًا يرجع إليه على الدوام لأدرك كثيرًا من معاني القرآن.

ولقد عُني المسلمون في هذا العصر بتأليف بعض التفاسير المختصرة، تجد ذلك في بعض بلدان المسلمين، ومنها بلاد الحرمين التي أصدرت وزارتها للشؤون الإسلامية كتاب (التفسير الميسر) وهو اسم على مسمى، وهذا التفسير مع أنَّ الغرض منه الإفادة في الترجمة، إلا أنه نافع لعامة من يريد أن يعرف المعنى الجملي للآيات، ولا يعرف فضل الجهد الذي بُذِل فيه، والقيمة العلمية التي يحتويها إلا من مارس التعامل مع اختلاف المفسرين.

والمقصود أن يحرص المسلم على أن يكون له تفسير من هذه المختصرات يقرأ فيه ويداوم عليه كما يقرأ القرآن ليجتمع له في قراءته الأداء وفهم المعنى.

الأمر الثالث:

في حال قراءة القرآن تظهر ـ على وجه الخصوص عند طلاب العلم ـ بعض الفوائد أو بعض المشكلات، ولابدَّ من التقييد لهذه الفوائد أو المشكلات؛ لئلا تضيع.

إن هذا القرآن لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الردِّ، وبما أنه قرآن كريم مجيد (أي: ذا شرف في مبناه ومعناه، وذا سعة وفضل في مبناه ومعناه)، فإن ما يتعلق به من المعاني والاستنباطات كذلك، فهي معانٍ واستنباطات شريفة لشرف ذلك الكتاب، وكثيرة متسعة لا يحدُّها حدٌّ لمجد ذلك الكتاب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير