بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
قصة الاختلاط
هذا مقال مهم للأستاذ محمد قطب من كتاب مذاهب فكرية معاصرة لعلعه يفيد في الحكم على هذه المسألة قال: "نمضى مع قصة تعليم المرأة فنجد المعارضة الثائرة فى أول الأمر، ثم نجد هذه المعارضة تخفت رويدا رويدا ويمضى ما كان يبدو مستحيلا فى مبدأ الطريق!
عند بدء المعركة طالب المطالبون بإنشاء تعليم لا ببعد المرأة إبعادا كاملا عن وظيفتها، وإن كان يبعدها – دون شك – إلى حد غير قليل! فقد أنشئ لها تعليم " نسوى " يحوى العلوم التى تعطى للأولاد، مضافا إليها دروس فى تدبير المنزل ورعاية النشء وبعض الفنون النسوية كشغل الإبرة والتفصيل والخياطة .. الخ، وكان هذا مجرد خطوة خطوة فى الطريق، حتى يحين الوقت الذى تلغى فيه المواد النسوية إلغاء كاملا ويتم " ترجيل " المرأة.
كذلك طالب المطالبون بتوفير الصيانة الخلقية التامة للفتاة التى تذهب إلى المدرسة، فتذهب فى سيارة مقفلة مغطاة بالستائر، أو يذهب معها ذووها ويعودون بها بحيث لا تتعرض للفتنة فى الطريق!
والحكمة فى هذا وذاك واضحة!
فلو أن المخططين كشفوا عن وجوههم دفعة واحدة، ودفعوا الفتاة الذاهبة إلى المدرسة للتبرج من أول لحظة، أو دفعوها للانسلاخ الكامل م، أنوثتها فأى أب كان يبعث بابنته إلى المدرسة، والتيار المعارض جارف والحملة ضد تعليم المرأة قائمة على قدم وساق؟!
لابد من طمأنة أولياء الأمور طمأنة كاملة فى مبدأ الطريق، حتى يرسلوا ببناتهم إلى المدرسة، وعندئذ – بعد أن يذهبن بالفعل – يكون لنا معهن دور أى دور!
ورويدا رويدا .. على مدى طويل بطئ " " ظلت المواد النسوية تتضاءل بحجة عدم الإثقال على الفتاة .. أو بأية حجة أخرى! وتقترب المناهج بين البنات والبنين حتى صارت متطابقة تماما فى آخر الأمر .. مناهج رجالية كاملة!!
ورويدا رويدا كذلك وبنفس البطء بدأت المدرسة تتحلل من القيود الصارمة التى فرضت عليها – بعناية – فى مبدأ الأمر! فلم تعد السارة مغطاة بالستائر، ولم يعد ذووها يوصلونها إلى المدرسة أو يعودون بها إلى البت!
وجاء الوقت الذى تقدمت فيه الفتيات إلى الشهادة الثانوية على مناهج البنين كاملة بلا زيادة ولا نقصان، وحدثت " المعجزة " فنجحت الفتيات فى الامتحان الموضوع ألا للبنين، بل تفوقن عليهم فى غير قليل من الحالات!
وحدثت ضجة هائلة – فى الصحافة بصفة خاصة – لم تهدأ من قريب!
ها هى ذى الفتاة التى قلتم عنها إنها لا تفهم ولا تستطيع أن تتعلم .. ها هى ذى التى قلتم عنها إنها أقل ذكاء من الفتى وأقل قدرة على الاستيعاب .. ها هى ذى التى قلتم عنها إنها لا تصلح – إن صلحت على الإطلاق – إلا للمناهج النسوية الخالصة .. ها هى ذى تدخل ذات الامتحان مع الفتى فتجاريه بل تتفوق عليه!
أرأيتم أيها الرجعيون؟! أرأيتم ايها الظالمون؟! أرأيتم يا جنس الرجال؟! أيها المغرورون! أيها المتعصبون!!
ولئن كان نجاح الفتاة قد قوبل بالاستغراب الكامل فى الغرب، فما ينبغى أن يستغرب فى الحقيقة، فقدرة الفتاة على التحصيل العلمى لا تفترق عن قدرة الفتى حين تتخصص لها وتوليها جهدها .. أما تفوق الفتاة أحيانا فقد كان مرجعه إلى روح التحدى من جهة، وانقطاع الفتاة للاستذكار فى المنزل بينما الأولاد مشغولون – فى الشارع – بألوان من النشاط لا تمارسها الفتيات فى ذلك الحين!
وليست القضية – كما أثارتها الجاهلية من جانبيها، جانب المعارضة وجانب التأييد – هى القدرة على التحصيل على ذات المستوى عند كل من الجنسين، إنما القضية هى الإعداد المناسب لوظيفة كل من الجنسين واستعداده النفسى بصرف النظر عن قدرته العقلية.
يقول الدكتور ألكسيس كاريل فى كتاب " الإنسان ذلك المجهول L’Homme cet unconnu ( ص 108 – 109 من الطبعة الثالثة من الترجمة العربية لشفيق أسعد).
¥