تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والثاني: أن قيمة النقود تختلف وتتغير قوتها الشرائية من عصر إلى عصر، بخلاف الصاع من الطعام فإنه يشبع حاجة بشرية محددة، كما أن الطعام كان في ذلك العهد أيسر على المعطي، وأنفع للأخذ. اهـ. والله أعلم بالصواب.

وقد رجح هذا القول وأفاض في ذلك الشيخ مصطفى الزرقا (29)، وفرق الشيخ أحمد الغماري بين البوادي والتي حالها مشابهُ لحال عصور الصحابة حيث لا أسواق لبيع الطعام المطبوخ مع وجود الآلات التي تمكنهم من الانتفاع بما عندهم من الحبوب، وبين الحواضر والتي المال فيها أحوج للفقير.

وهذا يتوافق مع أصل التشريع فإن الطعام كان إخراجه أيسر في عهد الصحابة ومن الطعام الذي كان موجودًا ومتعارفًا عليه عندهم ولذلك فإن الفقهاء -حتى القائلين بعدم إخراج زكاة الفطر نقدًا- لا يُلزمون بإخراجها من نفس الأصناف الواردة في أحاديث زكاة الفطر وإنما يعبرون عن ذلك بقولهم قوت البلد، وهذا يدل على مراعاة المصلحة والحاجة. فكان من أعظم المصالح وأبلغ الحكم العدول عن المال النادر العسر إخراجه في ذلك الوقت إلى الطعام المتيسر إخراجه لكل الناس آنذاك.

وأما الحال الآن فقد تغير فصارت النقود ميسرة والحاجة لها أكثر كما سبق بيانه (30)، وعندي -والله أعلم- أن الراجح هو جواز إخراجها نقدًا ولا يعني أن هذا هو الأفضل بل الأفضل إخراج ما يحتاجه من سيعطى الزكاة ولو أخرجها نقدا مع وجود الحاجة لها حبا فقد أدى فرضه ولا يؤمر بالإعادة، كما أن العكس صحيح، وعندما يوسّع الإنسان الدائرة وينظر إلى حال المسلمين في العالم وخاصة الدول الصناعية الأوروبية مثلا والتي يتعامل الناس فيها بالنقود غالبًا فإخراجها نقدا أفضل والحالة هذه والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


(1) ينظر بداية المجتهد (1/ 64) مغني المحتاج (1/ 406) كشاف القناع (1/ 471).
(2) المبسوط (2/ 158).
(3) بوب البخاري (باب العرض في الزكاة) وأورد فيه جملة من الأحاديث والآثار- سيأتي ذكرها - قال ابن حجر في الفتح (3/ 398):قال ابن رشيد: وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل.
(4) مصنف أبي شيبة (4/ 37 - 38).
(5) الإنصاف (4/ 478) وعند ابن تيمية يجوز للمصلحة أيضا ينظر مجموع الفتاوى (25/ 79). قلت: ولا داعي للتشكيك في نسبة هذا القول لابن تيمية، فقد جاء في اختيارات ابن تيمية لبرهان الدين ابن القيم (138) ما نصه: وأنه يجوز إخراج القيمة في زكاة المال وزكاة الفطر. ا. هـ، ومما يقوي ذلك أن ابن تيمية يرى جواز إخراج نصف الصاع في القمح. الاختيارات الفقهية ص: (183) وهذا يدل على اعتبار القيمة عنده، وهو بهذا يوافق الأحناف في هذه المسألة بالذات. بدائع الصنائع (2/ 72).
(6) أخرجه البخاري (1504) كتاب الزكاة باب صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين، ومسلم (984) (13). كتاب الزكاة باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير.
(7) الكامل لابن عدي (7/ 55).
(8) سنن الدارقطني (2/ 152).
(9) سنن البيهقي (4/ 175).
(10) المستدرك (1/ 410).
(11) الأموال لحميد بن زنجويه (2397).
(12) المحلى (6/ 121).
(13) ترجمته في الضعفاء الكبير (4/ 308)، الكامل (7/ 52)، التاريخ الكبير (8/ 114)، لسان الميزان (7/ 484).
(14) المحلى (6/ 121).
(15) الطبقات لابن سعد (1/ 284).
(16) ترجمته في الضعفاء (4/ 107)، الكامل (4/ 318)، المجروحين (3/ 290).
(17) ينظر كتاب (فقه الزكاة) للدكتور يوسف القرضاوي (2/ 949).
(18) أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 507 رقم 10469) قال المحقق الشيخ محمد عوامة: أبوأسامة هو حماد بن أبي أسامة وفي نسخة عن عون وفي أخرى عن ابن عون وكلاهما بصريان يروي عنهما حماد بن أسامة.
قلت: حماد بن أسامة ثقة ثبت ربما دلس.التقريب (1487) وتدليسه قليل وهو يبين من دلس عنه
عوف بن أبي جميلة الأعرابي العبدي ثقة التقريب (5215) فالأثر صحيح.
(19) المرجع السابق.
(20) المرجع السابق.
(21) أخرجه يحيى بن آدم القرشي في «الخراج» ت: أحمد شاكر رقم 525 ص (147)، قال ابن حجر في «الفتح» (3/ 398): هذا التعليق صحيح الإسناد إلى طاووس لكن طاووس لم يسمع من معاذ فهو منقطع، فلا يغتر بقول من قال ذكره البخاريُّ بالتعليق الجاز فهو صحيح عنده لأن ذلك لا يفيد إلا الصحة إلى من علق عنه، وأما باقي الإسناد فلا، إلا أنّ إيراده له في معرض الاحتجاج يقتضي قوته عنده وكأنه عضده عند الأحاديث التي ذكرها في الباب.
قوله خميس: هو الثوب الذي طوله خمسة أذرع. النهاية (2/ 75).
قوله لبيس: أي ملبوس فعيل بمعنى مفعول. الفتح (3/ 398).
(22) أخرجه البخاري رقم (1468) الزكاة، باب قوله تعالى: (وفي الرقاب).
(23) أخرجه البخاري رقم (977) العيدين باب العلم الذي بالمصلّى.
(24) صحيح البخاري ص (281 - 282) بيت الأفكار.
(25) تحقيق الآمال ص (59).
(26) صحيح البخاري (1508)، وقد ورد ما يفيد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث جمعها الغماري في «تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطربالمال» حيث ساق اثني عشر حديثًا موصولاً وذكر بعض المراسيل والموقوفات ثم قال: فهذه الروايات تثبت صحة ورود نصف الصاع عن النبي صلى الله عليه وسلم بطريق القطع والتواتر إذ يستحيل -عادة- أن يتواطأ كل هؤلاء الرواة على الكذب أو اتفاق الخلفاء الراشدين ومن ذكر معهم من الصحابة والتابعين الذين لم يفش فيهم داء التقليد على القول بما لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا ثبت ذلك، وبطل ادعاء البيهقي: ضعف أحاديث نصف الصاع من البر ثبت المطلوب وهو كون النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر القيمة في زكاة الفطر» أ. هـ. تحقيق الآمال ص (83).
(27) المقال نشر في جريدة عكاظ في 17/ 9/1427هـ العدد 1940.
(28) فقه الزكاة (2/ 949).
(29) فتاوى مصطفى الزرقا ص (145).
(30) ينظر: تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال ص (62، 102).

عبد الرحمن بن عوض القرني | 24/ 9/1430
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير