ومع هذا كله فهبك أتقنت جميع العلوم* ووفقت في المنطوق منها والمفهوم * وخرجت في التفسير عن النظير * وبلغت في الحديث والفقه نهاية التحرير * واحكمت الفروع والاصول * واحطت بالمنقول والمعقول * وحصل لك من الاذواق والمعارف * ما تفك به الفصوص والعوارف * وفقت القاضي والاستاذ في الكلام * وقهرت بحذقك عبد الجبار والعلاف والنظام* وفي النحو ابني مالك وهشام * واتقنت في التصريف الشافية * ولم يفتك تحقيقات شروح الكافية * ورقيت في السلم المرونق * اعلى درجات سماء علم المنطق * وقرات في البلاغة المفتاح والايضاح * وزفت اليك عروس الافراح * واخذت اللغة عن الجوهري والمجد * وشافهت في البيان السيد والسعد * ووصلت الى اصول ابني السبكي والحاجب* بلا مانع لك عنها ولا حاجب* والحكمة عن الرئيس والحفيد * والانشاء والترسل عن الفاضل وعبد الحميد وابن العميد * والادب عن الحريري * ذي النسج البديع الحريري * وفي التاريخ الكامل ويتيمة الدهر * وديوان العبر ودمية القصر * ونفح الطيب * واحاطة لسان الدين بن الخطيب * وفي الجغرافية تقويم البلدان* وفي الهيئة الجغميني ذا الاتقان * وجودت بالطيبة والحرز * وفككت كل طلسم ورمز * ما غلت لك قيمة * وما كانت سيرتك الا غير مستقيمة * فاذا كانت هذه مهمات الفنون * من احرزها رجع بصفقة المغبون* فما انشد السعد لنفسه في المطول * هو الحق الذي لا شبهة فيه فعليه المعول *
وهو قوله
طويت باحراز الفنون ونيلها ... رداء شبابي والجنون فنون
فحين تعاطيت الفنون وحظها ... تبين لي ان الفنون جنون
وهبك صرت العلامة الثاني * ما بلغت الاماني * فسلم لي في سلطاني * فالزمان زماني * والناس خدامي* والدهر عبدي وغلامي * وقد آن ان ترجع من حيث اتيت * وتموت كما كنت من قبل حييت * وانا نزلت الى الارض في هذه الساعة* وعلى ابنائي تقوم الساعة * وليت شعري ماذا ينفعك ذكرك السالفين من الاعلام * والمتقدمين من صالحي ملوك الاسلام* فرضي الله عن اولئك السلاطين * ورحم برحمته الواسعة
ميامين السلاطين* تلك امة قد خلت* ورسوم درست وعفت * فهل بذكرهم ما مضى يعاد* من رونق الاموي وبهجة الازهري ومسجد قرطبة وفخامة الزيتونة وضخامة القرويين وشهرة المدارس
الثمان ونظامية بغداد * هيهات ما مضى فات * ان الفتى من يقول ها انا ذا لا من يفخر بالرفات* مضى والله الذين كانوا يحلون العلم ويكرمون العلماء ويجيزونهم عن التصانيف* ويبذلون لهم الرغائب ويمنحونهم التشاريف * اما الان فقد صار التصنيف مسخرة* لا مفخرة * والتحقيق مثلبة* لا منقبة * فسلم لتسلم * ولا تعد تتكلم * وعلى ربك فتوكل * فالبلاء بالمنطق موكل
فلما طالت بينهما المشاتمة * وكاد الامر يفضي الى المضاربة والملاكمة * قام حينئذ الجميل الاوصاف * حلية المتقين والاشراف * المعروف بالانصاف* فقال
ايها الخصمان دعا الشنآن * واتركا اللجاج * ولا تطيلا الحجاج * وانتما المتعاقبان على نوع الانسان* والوصفان له اللازمان * ان فقد هذا وجد ذاك* فبينكما بهذا المعنى اشتراك * وكلاكما من اثار القدرة * وبدائع الفطرة* وقد اقتضت الارادة الازلية ان يكون العالم على هذا النظام* جهلاء واعلام* فلو كان الناس علماء كلهم فمن يقوم بالمهن* او جهلاء كلهم فمن يحفظ الشرائع والسنن* وليست بينكما مضادة* ولا كبير معاندة * بل بينكما تقابل العدم والملكة * فاحذر الهلكة وسوء الملكة * فالوفاق سكن ان شاء الله بينكما بركة *
وانا اقضي بينكما بقضاء فصل * وكلام جزل * فخيركما
العالم العامل* ثم يليه المسترشد الجاهل* ولا خير في غير ذين من كلا الصنفين * فانقضى الكلام* وافترقوا بسلام * وختمت المقامة * بحمد اهل الجنة في دار المقامة * والصلاة والسلام على الفاتح الخاتم واله وصحبه وهي احسن الخوااتم والغرض من تلفيق هذه الكلم ونظمها في سمط الحكم والله اعلم بالنيات ايقاظ العزائم وتحريك الهمم ختام سنة اربع عشرة وثلثمئة والف رابع الحجة جعلها الله لمنشئها وقارئها وكاتبها وسائر من يعتني بها حجة انتهى وصلى الله على سيدنا محمد واله وصحبه وسلم
ـ[ابن عبد الغنى]ــــــــ[11 - 06 - 07, 07:10 ص]ـ
كما جاء فى الحديث الصحيح المرء مع من احب
ولذا فانى اشهد الله انى احب اهل العلم طلابا وعلماء واسال الله ان يحشرنى فى زمرتهم
ورحم الله القائل
كفى بالعلم فخرا ان يدعيه من ليس فيه
وكفى بالجهل عارا ان يزدريه من هو فيه